شيئا ، ففيها دليل على المنع من استفتاء من لا يصلح للفتوى ، إما لقصوره في الأمر المستفتى فيه ، أو لكونه لا يبالي بما تكلم به ، وليس عنده ورع يحجزه. وإذا نهى عن استفتاء هذا الجنس ، فنهيه هو عن الفتوى ، من باب أولى وأحرى. وفي الآية أيضا ، دليل على أن الشخص ، قد يكون منهيا عن استفتائه في شيء ، دون آخر. فيستفتى فيما هو أهل له ، بخلاف غيره ، لأن الله لم ينه عن استفتائهم مطلقا ، إنما نهى عن استفتائهم في قصة أصحاب الكهف ، وما أشبهها.
[٢٣ ـ ٢٤] هذا النهي كغيره ، وإن كان لسبب خاص وموجها للرسول صلىاللهعليهوسلم ، فإن الخطاب عام للمكلفين ، فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة (إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ) من دون أن يقرنه بمشيئة الله ، وذلك لما فيه من المحذور ، وهو : الكلام على الغيوب المستقبلة ، التي لا يدري ، هل يفعلها أم لا؟ وهل تكون أم لا؟ وفيه رد الفعل إلى مشيئة العبد استقلالا ، وذلك محذور محظور ، لأن المشيئة كلها لله (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٩) ولما في ذكر مشيئة الله ، من تيسير الأمر وتسهيله ، وحصول البركة فيه ، والاستعانة من العبد لربه ، ولما كان العبد بشرا ، لا بد أن يسهو عن ذكر المشيئة ، أمره الله أن يستثني بعد ذلك ، إذا ذكر ، ليحصل المطلوب ، ويندفع المحذور. ويؤخذ من عموم قوله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) الأمر بذكر الله عند النسيان ، فإنه يزيله ، ويذكّر العبد ما سها عنه. وكذلك يؤمر الساهي الناسي لذكر الله ، أن يذكر ربه ، ولا يكونن من الغافلين. ولما كان العبد مفتقرا إلى الله في توفيقه للإصابة ، وعدم الخطأ ، في أقواله وأفعاله ، أمره الله أن يقول : (عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) ، فأمره أن يدعو الله ويرجوه ، ويثق به أن يهديه لأقرب الطرق الموصلة إلى الرشد. وحريّ بعبد ، تكون هذه حاله ، ثم يبذل جهده ، ويستفرغ وسعه في طلب الهدى والرشد ، أن يوفق لذلك ، وأن تأتيه المعونة من ربه ، وأن يسدده في جميع أموره.
[٢٥ ـ ٢٦] لما نهاه الله عن استفتاء أهل الكتاب ، في شأن أهل الكهف ـ لعدم علمهم بذلك ، وكان الله ، عالم الغيب والشهادة ، العالم بكل شيء ـ أخبره الله بمدة لبثهم ، وأن علم ذلك ، عنده وحده ، فإنه من غيب السموات والأرض ، وغيبها مختص به ، فما أخبر به عنها على ألسنة رسله ، فهو الحق اليقين ، الذي لا شك فيه ، وما لا يطلع رسله عليه ، فإن أحدا من الخلق ، لا يعلمه. وقوله : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) تعجب من كمال سمعه وبصره ، وإحاطتهما بالمسموعات والمبصرات ، بعد ما أخبر بإحاطة علمه بالمعلومات. ثم أخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة ، فهو الولي الذي يتولى تدبير جميع الكون ، الولي لعباده المؤمنين ، يخرجهم من الظلمات إلى النور وييسرهم لليسرى ، ويجنبهم العسرى ، ولهذا قال : (ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍ). أي : هو الذي تولى أصحاب الكهف ، بلطفه وكرمه ، ولم يكلهم إلى أحد من الخلق. (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) وهذا يشمل الحكم الكوني القدري ، والحكم الشرعي الديني ، فإنه الحاكم في خلقه ، قضاء وقدرا ، وخلقا وتدبيرا والحاكم فيهم ، بأمره ونهيه ، وثوابه وعقابه.
[٢٧] ولما أخبر أنه تعالى ، له غيب السموات والأرض ، فليس لمخلوق إليها طريق ، إلا عن الطريق التي يخبر بها عباده ، وكان هذا القرآن ، قد اشتمل على كثير من الغيوب ، أمر تعالى بالإقبال عليه فقال : (وَاتْلُ) إلى قوله :