النهي عن كل غش ، أو مثمن ، أو معقود عليه ، والأمر بالنصح ، والصدق في المعاملة. (ذلِكَ خَيْرٌ) من عدمه (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) أي : أحسن عاقبة ، به يسلم العبد من التبعات ، وبه تنزل البركة.
[٣٦] أي : ولا تتبع ما ليس لك به علم ، بل تثبّت في كل ما تقوله وتفعله ، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك. (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسؤول عما قاله وفعله ، وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته ، أن يعدّ للسؤال جوابا ، وذلك لا يكون ، إلا باستعمالها ، بعبودية الله ، وإخلاص الدين له ، وكفها عما يكرهه الله تعالى.
[٣٧] يقول تعالى : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أي : كبرا وتيها وبطرا ، متكبرا على الحق ، ومتعاظما في تكبرك على الخلق. (إِنَّكَ) في فعلك ذلك (لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً). بل تكون حقيرا عند الله ومحتقرا عند الخلق ، مبغوضا ممقوتا ، قد اكتسبت شر الأخلاق ، واكتسيت بأرذلها ، من غير إدراك لبعض ما تروم.
[٣٨] (كُلُّ ذلِكَ) المذكور الذي نهى الله عنه فيما تقدم من قوله : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) والنهي عن عقوق الوالدين وما عطف على ذلك (كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) أي : كل ذلك يسوء العاملين ويضرهم ، والله تعالى يكرهه ويأباه.
[٣٩] (ذلِكَ) الذي بيناه ووضحناه من هذه الأحكام الجليلة ، (مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) فإن الحكمة ، الأمر بمحاسن الأعمال ، ومكارم الأخلاق ، والنهي عن أراذل الأخلاق ، وأسوإ الأعمال. وهذه الأعمال المذكورة في هذه الآيات ، من الحكمة العالية ، التي أوحاها رب العالمين لسيد المرسلين ، في أشرف الكتب ، ليأمر بها أفضل الأمم ، فهي من الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا. ثم ختمها بالنهي عن عبادة غير الله ، كما افتتحها بذلك فقال : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ) أي : خالدا مخلدا ، فإنه من يشرك بالله ، فقد حرّم الله عليه الجنّة ومأواه النار. (مَلُوماً مَدْحُوراً) أي : قد لحقتك اللائمة ، واللعنة ، والذم من الله ، وملائكته ، والناس أجمعين.
[٤٠] وهذا إنكار شديد ، على من زعم أن الله اتخذ من خلقه بنات فقال : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ) أي : اختار لكم الصفوة والنصيب الكامل ، (وَاتَّخَذَ) لنفسه (مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) ، حيث زعموا أن الملائكة بنات الله. (إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) فيه أعظم الجرأة على الله ، حيث نسبتم له الولد المتضمن لحاجته ، واستغناء بعض المخلوقات عنه ، وحكمتم له بأردأ القسمين ، وهو الإناث ، وهو الذي خلقكم ، واصطفاكم بالذكور ، فتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
[٤١] يخبر تعالى ، أنه صرّف لعباده ، في هذا القرآن ، أي نوّع الأحكام ، ووضحها ، وأكثر من الأدلة والبراهين ، على ما دعا إليه ، ووعظ وذكّر ، لأجل أن يتذكّروا ما ينفعهم فيسلكوه ، وما يضرهم فيدعوه. ولكن أبى أكثر الناس ، إلا نفورا عن آيات الله ، لبغضهم للحق ، ومحبتهم ما كانوا عليه من الباطل ، حتى تعصبوا لباطلهم ، ولم يعيروا آيات الله لهم سمعا ، ولا ألقوا لها بالا. ومن أعظم ما صرف فيه الآيات والأدلة ، التوحيد الذي هو أصل الأصول. فأمر