فتنفق فيما لا ينبغي ، وزيادة على ما ينبغي. (فَتَقْعُدَ) إن فعلت ذلك (مَلُوماً) أي : تلام على ما فعلت (مَحْسُوراً) أي : حاسر اليد فارغها ، فلا بقي ما في يدك من المال ولا خلفه مدح وثناء. وهذا الأمر بإيتاء ذي القربى ، مع القدرة والغنى. فأما مع العدم ، أو تعسر النفقة الحاضرة ، فأمر تعالى أن يردّوا ردّا جميلا فقال : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها) أي : تعرضن عن إعطائهم إلى وقت آخر ، ترجو فيه من الله تيسير الأمر. (فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) أي : لطيفا برفق ، ووعد بالجميل ، عند سنوح الفرصة ، واعتذار بعدم الإمكان ، في الوقت الحاضر ، لينقلبوا عنك ، مطمئنة خواطرهم ، كما قال تعالى : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً). وهذا أيضا ، من لطف الله تعالى بالعباد ، أمرهم بانتظار الرحمة والرزق منه ، لأن انتظار ذلك عبادة ، وكذلك وعدهم بالصدقة والمعروف عند التيسر ، عبادة حاضرة ، لأن الهم بفعل الحسنة ، حسنة ، ولهذا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير ، وينوي فعل ما لم يقدر عليه ، ليثاب على ذلك ، ولعل الله ييسر له بسبب رجائه.
[٣٠] ثم قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) من عباده (وَيَقْدِرُ) أي : يضيقه على من يشاء ، حكمة منه. (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) فيجزيهم على ما يعلمه صالحا لهم ، ويدبرهم ، بلطفه وكرمه.
[٣١] وهذا من رحمته بعباده ، حيث كان أرحم بهم من والديهم ، فنهى الوالدين أن يقتلوا أولادهم ، خوفا من الفقر والإملاق ، وتكفل برزق الجميع. وأخبر أن قتلهم كان خطأ كبيرا ، أي : من أعظم كبائر الذنوب ، لزوال الرحمة من القلب ، والعقوق العظيم ، والتجرّؤ على قتل الأطفال ، الّذين لم يجر منهم ذنب ولا معصية.
[٣٢] النهي عن قربان الزنا أبلغ من النهي عن مجرد فعله ، لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه ، فإن : «من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» ، خصوصا هذا الأمر ، الذي في كثير من النفوس ، أقوى داع إليه. ووصف الله الزنا وقبحه بأنه (كانَ فاحِشَةً) أي : إنما يستفحش في الشرع والعقل ، والفطر ، لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله ، وحق المرأة ، وحق أهلها ، أو زوجها ، وإفساد الفراش ، واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد. وقوله : (وَساءَ سَبِيلاً) أي : بئس السبيل ، سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم.
[٣٣] وهذا شامل لكل نفس (حَرَّمَ اللهُ) قتلها من صغير وكبير ، وذكر وأنثى ، وحر وعبد ، ومسلم وكافر له عهد. (إِلَّا بِالْحَقِ) كالنفس بالنفس ، والزاني المحصن ، والتارك لدينه ، المفارق للجماعة ، والباغي في حال بغيه ، إذا لم يندفع إلا بالقتل. (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً) أي : بغير حق (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ) وهو ، أقرب عصباته وورثته إليه (سُلْطاناً) أي : حجة ظاهرة على القصاص من القاتل وجعلنا له أيضا تسلطا قدريا على ذلك ، وذلك حين تجتمع الشروط الموجبة للقصاص ، كالعمد العدوان ، والمكافأة. (فَلا يُسْرِفْ) الولي (فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً). والإسراف ، مجاوزة الحد ، إما أن يمثل بالقاتل ، أو يقتله بغير ما قتل به ، أو يقتل غير القاتل. وفي هذه الآية ، دليل على أن الحق في القتل للولي ، فلا يقتص إلا بإذنه ، وإن عفا سقط القصاص. وإن وليّ المقتول ، يعينه الله على القاتل ، ومن أعانه حتى يتمكن من قتله.
[٣٤] وهذا من لطفه ورحمته تعالى باليتيم ، الذي فقد والده ، وهو صغير ، غير عارف بمصلحة نفسه ، ولا قائم بها ، أن أمر أولياءه بحفظه ، وحفظ ماله ، وإصلاحه ، وأن لا يقربوه (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) من التجارة فيه ، وعدم تعريضه للأخطار ، والحرص على تنميته ، وذلك ممتد إلى أن (يَبْلُغَ) اليتيم (أَشُدَّهُ) أي : بلوغه ، وعقله ، ورشده ، فإذا بلغ أشده ، زالت عنه الولاية ، وصار ولي نفسه ، ودفع إليه ماله. كما قال تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) ، (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) الذي عاهدتم الله عليه ، والذي عاهدتم الخلق عليه. (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) أي : مسؤولون عن الوفاء به. فإن وفيتم ، فلكم الثواب الجزيل ، وإن لم تفعلوا ، فعليكم الإثم العظيم.
[٣٥] وهذا أمر بالعدل وإيفاء المكاييل والموازين بالقسط ، من غير بخس ولا نقص. ويؤخذ من عموم المعنى ،