والتكذيب.
[٧٦ ـ ٧٧] [(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) الذي هو أكبر أنواع الحقّ وأعظمها ، وهو من عند الله ، الذي خضعت لعظمته الرقاب ، وهو رب العالمين ، المربي جميع خلقه بالنعم] (١). فلما جاءهم الحقّ من عند الله على يد موسى ، ردّوه فلم يقبلوه ، و (قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) لم يكفهم ـ قبحهم الله ـ إعراضهم ولا ردهم إياه ، حتى جعلوه أبطل الباطل ، وهو السحر : الذي حقيقته التمويه ، بل جعلوه سحرا مبينا ، ظاهرا ، وهو الحقّ المبين. ولهذا (قالَ) لهم (مُوسى) ـ موبخا لهم عن ردهم الحقّ الذي لا يرده إلا أظلم الناس ـ : (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ) أي : أتقولون إنه سحر مبين. (أَسِحْرٌ هذا) أي : فانظروا وصفه ، وما اشتمل عليه ، فبمجرد ذلك يجزم بأنه الحقّ. (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) لا في الدنيا ، ولا في الآخرة ، فانظروا لمن تكون العاقبة ، ومن له الفلاح ، وعلى يديه النجاح. وقد علموا بعد ذلك ، وظهر لكل أحد ، أن موسى عليهالسلام هو الذي أفلح ، وفاز بظفر الدنيا والآخرة.
[٧٨] (قالُوا) لموسى رادين لقوله بما لا يرد به : (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) أي : أجئتنا لتصدنا عما وجدنا عليه آباءنا ، من الشرك ، وعبادة غير الله ، وتأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له؟ فجعلوا قول آبائهم الضالين ، حجة ، يردون بها الحقّ الذي جاءهم به موسى عليهالسلام. وقوله : (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ) أي : وجئتمونا لتكونوا أنتم الرؤساء ، ولتخرجونا من أراضينا. وهذا تمويه منهم ، وترويح على جهالهم ، ونهييج لعوامهم ، على معاداة موسى ، وعدم الإيمان به. وهذا لا يحتج به ، من عرف الحقائق وميز بين الأمور ، فإن الحجج لا تدفع إلا بالحجج والبراهين. وأما من جاء بالحق ، فرد قوله بأمثال هذه الأمور ، فإنها تدل على عجز موردها ، عن الإتيان بما يرد القول الذي جاء به خصمه ، لأنه لو كان له حجة ، لأوردها ، ولم يلجأ إلى قوله : قصدك كذا ، أو مرادك كذا ، سواء كان صادقا في قوله وإخباره عن قصد خصمه أم كاذبا. مع أن موسى عليه الصلاة والسّلام ، كل من عرف حاله ، وما يدعو إليه ، عرف أنه ليس له قصد في العلو في الأرض. وإنّما قصده ، كقصد إخوانه المرسلين : هداية الخلق ، وإرشادهم لما فيه نفعهم. ولكن حقيقة الأمر ، كما نطقوا به بقولهم : (وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) أي : تكبرا وعنادا ، لا لبطلان ما جاء به موسى وهارون ، ولا لاشتباه فيه ، ولا لغير ذلك من المعاني ، سوى الظلم والعدوان ، وإرادة العلو الذي رموا به موسى وهارون.
[٧٩] (وَقالَ فِرْعَوْنُ) معارضا للحق الذي جاء به موسى ، ومغالبا لملئه وقومه : (ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) أي : ماهر بالسحر ، متقن له.
[٨٠ ـ ٨٣] فأرسل في مدائن مصر ، من أتاه بأنواع السحرة ، على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم. (فَلَمَّا جاءَ
__________________
(١) سقط من المطبوعة التي بين أيدينا ، وهو موافق للسياق.