(وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) أي : الذي لا يغني من الحق شيئا (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) في ذلك ، خرص إفك وبهتان. فإن كانوا صادقين ، في أن معبوداتهم شركاء لله ، فليظهروا من أوصافها ما تستحق به مثقال ذرة من العبادة ، فلن يستطيعوا. فهل منهم أحد يخلق شيئا ، أو يرزق ، أو يملك شيئا من المخلوقات ، أو يدبر الليل والنهار ، الذي جعله الله قياما للناس؟. و (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) في النوم والراحة بسبب الظلمة ، التي تغشى وجه الأرض ، فلو استمر الضياء ، لما قرّوا ، ولما سكنوا. (وَ) جعل الله (النَّهارَ مُبْصِراً) أي : مضيئا ، يبصر به الخلق ، فينصرفون في معايشهم ، ومصالح دينهم ودنياهم. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) عن الله ، سمع فهم ، وقبول ، واسترشاد ، لا سمع تعنت وعناد ، فإن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ، ويستدلون بها على أنه وحده المعبود وأنه الإله الحق ، وأن إلهية ما سواه باطلة ، وأنه الرؤوف الرحيم العليم الحكيم.
[٦٨] يقول تعالى ـ مخبرا عن بهت المشركين لرب العالمين ـ (قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) ، فنزّه نفسه عن ذلك بقوله : (سُبْحانَهُ) أي : تنزه عما يقول الظالمون ، في نسبة النقائص إليه علوا كبيرا ، ثم برهن عن ذلك ، بعدة براهين : أحدها : قوله : (هُوَ الْغَنِيُ) أي : الغنى منحصر فيه ، وأنواع الغنى مستغرقة فيه ، فهو الغني ، الذي له الغنى التام ، بكل وجه واعتبار ، من جميع الوجوه ، فإذا كان غنيا من كل وجه ، فلأي شيء يتخذ الولد؟ ا لحاجة منه إلى الولد ، فهذا مناف لغناه ، فلا يتخذ أحد ولدا إلا لنقص في غناه. البرهان الثاني ، قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وهذه كلمة جامعة عامة لا يخرج عنها موجود من أهل السموات والأرض ، الجميع مخلوقون عبيد مماليك. ومن المعلوم أن هذا الوصف العام ، ينافي أن يكون له ولد ، فإن الولد من جنس والده ، لا يكون مخلوقا ولا مملوكا. فملكيته لما في السموات والأرض عموما ، تنافي الولادة. البرهان الثالث ، قوله : (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا) أي : هل عندكم من حجة وبرهان يدل على أن لله ولدا ، فلو كان لهم دليل ، لأبدوه. فلما تحداهم وعجّزهم على إقامة الدليل ، علم بطلان ما قالوه. وأن ذلك قول بلا علم ، ولهذا قال : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) فإن هذا من أعظم المحرمات.
[٦٩ ـ ٧٠] (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (٦٩) أي : لا ينالون مطلوبهم ، ولا يحصل لهم مقصودهم ، وإنما يتمتعون في كفرهم وكذبهم في الدنيا ، قليلا ، ثم ينتقلون إلى الله ، ويرجعون إليه ، فيذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون ، (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
[٧١ ـ ٧٢] يقول تعالى لنبيّه : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) أي : على قومك (نَبَأَ نُوحٍ) في دعوته لقومه ، حين دعاهم إلى الله مدة طويلة ، فمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، فلم يزدهم دعاؤه إياهم إلا طغيانا فتمللوا منه ، وسئموا ، وهو عليه الصلاة والسلام غير متكاسل ، ولا متوان في دعوتهم ، فقال لهم : (يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ) أي : إن كان مقامي عندكم وتذكيري إياكم ما ينفعكم (بِآياتِ اللهِ) الأدلة الواضحة البينة ، قد شق عليكم ، وعظم لديكم ، وأردتم أن تنالوني بسوء أو تردوا الحق. (فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ) أي : اعتمدت على الله ، في دفع كل شر يراد بي ، وبما أدعو إليه ، فهذا جندي ، وعدّتي. وأنتم ، فأتوا بما قدرتم عليه ، من أنواع العدد والعدد. (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) كلكم ، بحيث لا يتخلف منكم أحد ، ولا تدخروا من مجهودكم شيئا. (وَ) أحضروا (شُرَكاءَكُمْ) الذين كنتم تعبدونهم وتوالونهم من دون الله رب العالمين. (ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) أي : مشتبها خفيا ، بل ليكن ذلك ظاهرا علانية. (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَ) أي : اقضوا عليّ بالعقوبة والسوء الذي في إمكانكم ، (وَلا تُنْظِرُونِ) أي : لا تمهلوني ساعة من نهار. فهذا برهان قاطع ، وآية عظيمة على صحة رسالته ، وصدق ما جاء به ، حيث كان وحده ، ولا عشيرة تحميه ، ولا جنود تؤويه. وقد بادأ قومه بتسفيه آرائهم ، وفساد دينهم ، وعيب آلهتهم. وقد حملوا من