والقدر ، كثيرا ما يقرن الله بينهما ، وهما : العلم المحيط بجميع الأشياء ، وكتابته المحيطة بجميع الحوادث ، وكقوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (٧٠).
[٦٢ ـ ٦٥] يخبر تعالى عن أوليائه وأحبائه ، ويذكر أعمالهم وأوصافهم ، وثوابهم ، فقال : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فيما يستقبلونه ، مما أمامهم ، من المخاوف والأهوال. (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على ما أسلفوا ، لأنهم لم يسلفوا إلا صالح الأعمال. وإذا كانوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ثبت لهم الأمن والسعادة ، والخير الكثير الذي لا يعلمه إلا الله تعالى. ثم ذكر وصفهم فقال : (الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، وصدقوا إيمانهم باستعمال التقوى ، بامتثال الأوامر واجتناب النواهي. فكل من كان مؤمنا تقيا ، كان لله تعالى وليا ، لذلك كانت (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ). أما البشارة في الدنيا ، فهي : الثناء الحسن ، والمودة في قلوب المؤمنين ، والرؤيا الصالحة ، وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لأحسن الآمال والأخلاق ، وصرفه عن مساوئ الأخلاق. وأما في الآخرة ، فأولها ، البشارة عند قبض أرواحهم ، كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ). وفي القبر ، ما يبشر به من رضا الله تعالى ، والنعيم المقيم. وفي الآخرة ، تمام البشرى ، بدخول جنات النعيم ، والنجاة من العذاب الأليم. (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) بل ما وعد الله فهو حق ، لا يمكن تغييره ولا تبديله ، لأنه الصادق في قيله ، الذي لا يقدر أحد أن يخالفه فيما قدره وقضاه. (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) لأنه اشتمل على النجاة من كل محذور ، والظفر بكل مطلوب محبوب. وحصر الفوز فيه ، لأنه لا فوز لغير أهل الإيمان والتقوى. والحاصل أن البشرى شاملة لكل خير وثواب ، رتبه الله في الدنيا والآخرة ، على الإيمان والتقوى ، ولهذا أطلق ذلك ، فلم يقيده.
[٦٦] أي : ولا يحزنك قول المكذبين فيك ، من الأقوال ، التي يتوصلون بها إلى القدح فيك ، وفي دينك ، فإن أقوالهم لا تعزّهم ، ولا تضرك شيئا. (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) يؤتيها من يشاء ، ويمنعها ممن يشاء. قال تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) أي : فليطلبها بطاعته ، بدليل قوله بعده : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ). ومن المعلوم أنك على طاعة الله ، وأن العزة لك ولأتباعك من الله ، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ). وقوله : (هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي : سمعه قد أحاط بجميع الأصوات ، فلا يخفى عليه شيء منها. وعلمه قد أحاط جميع الظواهر والبواطن ، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات والأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر. وهو ـ تعالى ـ يسمع قولك ، وقول أعدائك فيه ، يعلم ذلك تفصيلا ، فاكتف بعلم الله وكفايته ، فمن يتق الله فهو حسبه.
[٦٧] يخبر تعالى : أنه له ما في السموات والأرض ، خلقا وملكا ، يتصرف فيهم بما يشاء من أحكامه. فالجميع مماليك لله ، مسخرون ، مدبرون ، لا يستحقون شيئا من العبادة ، وليسوا شركاء لله ، بوجه من الوجوه ، ولهذا قال :