[٤٥] يخبر تعالى عن سرعة انقضاء الدنيا وأن الله تعالى إذا حشر الناس وجمعهم ليوم لا ريب فيه ، كأنهم ما لبثوا إلا ساعة من نهار ، وكأنه ما مر عليهم نعيم ولا بؤس ، وهم يتعارفون بينهم ، كحالهم في الدنيا. ففي هذا اليوم ، يربح المتقون ، ويخسر الّذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ، إلى الصراط المستقيم ، والدين القويم ، حيث فاتهم النعيم ، واستحقوا دخول النار.
[٤٦] أي : لا تحزن أيها الرسول على هؤلاء المكذبين ، ولا تستعجل لهم ، فإنهم لا بد أن يصيبهم الذي نعدهم من العذاب. إما في الدنيا ، فتراه بعينك ، وتقرّ به نفسك. وإما في الآخرة بعد الوفاة ، فإن مرجعهم إلى الله ، وسينبئهم بما كانوا يعملون ، وأحصاه ونسوه ، والله على كل شيء شهيد ، ففيه الوعيد الشديد لهم ، والتسلية للرسول الذي كذبه قومه وعاندوه.
[٤٧ ـ ٤٩] يقول تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) من الأمم الماضية (رَسُولٌ) يدعوهم إلى توحيد الله ودينه. (فَإِذا جاءَ) هم (رَسُولُهُمْ) بالآيات ، صدقه بعضهم ، وكذبه آخرون ، فيقضي الله بينهم بالقسط ، بنجاة المؤمنين ، وإهلاك المكذبين (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بأن يعذبوا قبل إرسال الرسول ، وبيان الحجة ، أو يعذبوا بغير جرمهم. فليحذر المكذبون لك ، من مشابهة الأمم المهلكين ، فيحل بهم ، ما حل بأولئك. ولا يستبطئوا العقوبة ويقولوا : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، فإن هذا ظلم منهم ، حيث طلبوه من النبي صلىاللهعليهوسلم ، فإنه ليس له من الأمر شيء ، وإنّما عليه البلاغ والبيان للناس. وأما حسابهم ، إنزال العذاب عليهم ، فمن الله تعالى ، ينزل عليهم إذا جاء الأجل ، الذي أجله فيه ، والوقت الذي قدره فيه ، الموافق لحكمته الإلهية. فإذا جاء ذلك الوقت ، لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، فليحذر المكذبون من الاستعجال ، فإنهم مستعجلون بعذاب الله ، الذي إذا نزل ، لا يرد بأسه عن القوم المجرمين ، ولهذا قال : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) إلى (تَكْسِبُونَ).
[٥٠] يقول تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً) وقت نومكم بالليل (أَوْ نَهاراً) في وقت غفلتكم (ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) أي : أي بشارة استعجلوا بها ، وأي عقاب ابتدروه؟
[٥١] (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) فإنه لا ينفع الإيمان حين حلول عذاب الله ، ويقال لهم توبيخا وعتابا في تلك الحال التي زعموا أنهم يؤمنون. (آلْآنَ) تؤمنون في حال الشدة والمشقة؟ (وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) فإن سنة الله في عباده أنه يعتبهم إذا استعتبوه قبل وقوع العذاب. فإذا وقع العذاب ، لا ينفع نفسا إيمانها ، كما قال تعالى عن فرعون ، لما أدركه الغرق : (قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وأنه يقال له : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (٩١). وقال تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) ، وقال هنا : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ) تدّعون الإيمان ، (وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) فهذا ما عملت أيديكم ، وهذا ما استعجلتم به.
[٥٢] (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) حين يوفون أعمالهم يوم القيامة : (ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ) أي : العذاب الذي تخلدون