فيه ، ولا يفتر عنكم ساعة. (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) من الكفر والتكذيب والمعاصي.
[٥٣] يقول تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ) أي : يستخبرك المكذبون على وجه التعنت والعناد ، لا على وجه التبين والاسترشاد. (أَحَقٌّ هُوَ) أي : أصحيح حشر العباد ، وبعثهم بعد موتهم ليوم المعاد ، وجزاء العباد بأعمالهم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر؟ (قُلْ) لهم مقسما على صحته ، مستدلا عليه بالدليل الواضح والبرهان : (إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ) لا مرية فيه ولا شبهة تعتريه. (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) لله أن يبعثكم ، فكما ابتدأ خلقكم ، ولم تكونوا شيئا ، كذلك يعيدكم مرّة أخرى ليجازيكم بأعمالكم.
[٥٤] (وَ) إذا كانت القيامة (لَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) بالكفر والمعاصي جميع (ما فِي الْأَرْضِ) من ذهب وفضة وغيرهما ، لتفتدي به من عذاب الله (لَافْتَدَتْ بِهِ) ولما نفعها ذلك ، وإنّما النفع والضر ، والثواب والعقاب ، على الأعمال الصالحة ، والسيئة. (وَأَسَرُّوا) أي : الّذين ظلموا (النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) ندموا على ما قدموا ، ولات حين مناص ، (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) أي : العدل التام الذي لا ظلم ولا جور فيه بوجه من الوجوه.
[٥٥] (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يحكم فيهم بحكمه الديني والقدري ، وسيحكم فيهم بحكمة الجزائي. ولهذا قال : (أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فلذلك لا يستعدون للقاء الله ، بل ربما لم يؤمنوا به ، وقد تواترت عليه الأدلة القطعية والبراهين النقلية والعقلية.
[٥٦] (هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ) أي : هو المتصرف بالإحياء والإماتة ، وسائر أنواع التدابير ، لا شريك له في ذلك.
(وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يوم القيامة ، فيجازيكم بأعمالكم خيرها وشرها.
[٥٧] يقول تعالى ـ مرغبا الخلق ، في الإقبال على هذا الكتاب الكريم ، بذكر أوصافه الحسنة الضرورية للعباد فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي : تعظكم ، وتنذركم عن الأعمال الموجبة لسخط الله ، المقتضية لعقابه ، وتحذركم عنها ببيان آثارها ومفاسدها. (وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ) وهو : هذا القرآن ، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادّة عن الانقياد للشرع ، وأمراض الشبهات ، القادحة في العلم اليقيني. فإن ما فيه من المواعظ ، والترغيب ، والترهيب ، والوعد والوعيد ، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة. وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير ، والرهبة عن الشر ، ونمتا على تكرر ما يرد إليها من معاني القرآن ، أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس ، وصار ما يرضي الله أحب إلى العبد من شهوة نفسه. وكذلك ما فيه من البراهين والأدلة التي صرّفها الله ، غاية التصريف ، وبيّنها أحسن بيان ، مما يزيل الشبه القادحة في الحقّ ، ويصل به القلب إلى أعلى درجات اليقين. وإذا صح القلب من مرضه ، ورفل بأثواب العافية ، تبعته الجوارح كلها ، فإنها تصلح بصلاحه ، وتفسد بفساده ، (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) فالهدى هو العلم بالحق والعمل به. والرحمة هي : ما يحصل من الخير والإحسان ، والثواب العاجل والآجل ، لمن اهتدى به. فالهدى ، أجل الوسائل ، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب ، ولكن لا يهتدي به ،