[٣٥] (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) ببيانه وإرشاده أو بإلهامه وتوفيقه. (قُلِ اللهُ) وحده (يَهْدِي لِلْحَقِ) بالأدلة والبراهين ، وبالإلهام والتوفيق ، والإعانة إلى سلوك أقوم طريق. (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي) أي : لا يهتدي (إِلَّا أَنْ يُهْدى) لعدم علمه ، ولضلاله ، وهي شركاؤهم التي لا تهدي ولا تهتدي إلا أن تهدى (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) أي : أيّ شيء يجعلكم تحكمون هذا الحكم الباطل ، بصحة عبادة أحد مع الله ، بعد ظهور الحجة والبرهان ، أنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده. فإذا تبين أنه ليس في آلهتهم التي يعبدون مع الله ، أوصافا معنوية ، ولا أوصافا فعلية ، تقتضي أن تعبد مع الله ، بل هي متصفة بالنقائص الموجبة لبطلان إلهيتها ، فلأي شيء جعلت مع الله آلهة؟ فالجواب : أن هذا من تزيين الشيطان للإنسان ، أقبح البهتان ، وأضل الضلال ، حتى اعتقد ذلك وألفه ، وظنه حقا ، وهو لا شيء.
[٣٦] ولهذا قال : (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ) أي : أكثر الّذين يدعون من دون الله شركاء ، (إِلَّا ظَنًّا) أي : ما يتبعون في الحقيقة شركاء لله ، فإنه ليس لله شريك أصلا ، عقلا ، ولا نقلا ، وإنّما يتبعون الظن و (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً). فسموها آلهة ، وعبدوها مع الله ، (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ). (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) وسيجازيهم على ذلك بالعقوبة البليغة.
[٣٧] يقول تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ) أي : غير ممكن ولا متصور ، أن يفترى هذا القرآن على الله ، لأنه الكتاب العظيم الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٤٢) ، وهو الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. وهو الكتاب الذي تكلم به رب العالمين ، فكيف يقدر أحد من الخلق أن يتكلم بمثله ، أو بما يقاربه ، والكلام تابع لعظمة المتكلم ووصفه؟ فإن كان أحد يماثل الله في عظمته ، وأوصاف كماله ، أمكن أن يأتي بمثل هذا القرآن ، ولو تنزلنا على الفرض والتقدير ، فتقوّله أحد على رب العالمين ، لعاجله بالعقوبة وبادره بالنكال. (وَلكِنْ) الله أنزل هذا الكتاب ، رحمة للعالمين ، وحجة على العباد أجمعين. أنزله (تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من كتب الله السماوية ، بأن وافقها ، وصدقها بما شهدت به ، وبشرت بنزوله ، فوقع كما أخبرت. (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ) للحلال والحرام ، والأحكام الدينية والقدرية ، والإخبارات الصادقة. (لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي : لا شك ولا مرية فيه ، بوجه من الوجوه ، بل هو الحقّ اليقين : (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٨٠) الذي ربّى جميع الخلق بنعمه. ومن أعظم أنواع تربيته أن أنزل عليهم هذا الكتاب ، الذي فيه مصالحهم الدينية والدنيوية ، المشتمل على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال.
[٣٨] (أَمْ يَقُولُونَ) أي المكذبون به ، عنادا وبغيا : (افْتَراهُ) محمد على الله ، واختلقه ، (قُلْ) لهم ـ ملزما لهم بشيء ـ إن قدروا عليه ، أمكن ما ادّعوه ، وإلا كان قولهم باطلا. (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) يعاونكم على الإتيان بسورة مثله ، وهذا محال ، ولو كان ممكنا لا دعوا قدرتهم على ذلك ، ولأتوا بمثله. ولكن لما بان عجزهم تبين أن ما قالوه باطل ، لا حظّ له من الحجة. والذي حملهم على التكذيب بالقرآن ، المشتمل على