(وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ) متبرئين منهم : (ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) فإننا ننزه الله أن يكون له شريك ، أو نديد. (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) (٢٩) ، ما أمرناكم بها ، ولا دعوناكم لذلك ، وإنما عبدتم من دعاكم إلى ذلك ، وهو الشيطان ، كما قال تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٦٠). وقال : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) (٤١). فالملائكة الكرام ، والأنبياء ، والأولياء ونحوهم : يتبرأون ممن عبدهم يوم القيامة ويتنصلون من دعائهم إياهم إلى عبادتهم وهم الصادقون البارون في ذلك. فحينئذ يتحسر المشركون حسرة ، لا يمكن وصفها ، ويعلمون مقدار ما قدموا من الأعمال ، وما أسلفوا من رديء الخصال ، ويتبين لهم يومئذ أنهم كانوا كاذبين ، وأنهم مفترون على الله ، قد ضلت عبادتهم ، واضمحلت معبوداتهم ، وتقطعت بهم الأسباب والوسائل.
[٣٠] ولهذا قال : (هُنالِكَ) أي : في ذلك اليوم (تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) أي : تتفقد أعمالها وكسبها ، وتتبعه بالجزاء ، وتجازى بحسبه ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر. (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من قولهم بصحة ما هم عليه من الشرك ، وأن ما يعبدون من دون الله ، تنفعهم وتدفع عنهم العذاب.
[٣١ ـ ٣٣] أي : قل لهؤلاء الّذين أشركوا بالله ، ما لم ينزل به سلطانا ـ محتجا عليهم بما أقروا به ، من توحيد الربوبية ، على ما أنكروه من توحيد الألوهية ـ (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) بإنزال الأرزاق من السماء ، وإخراج أنواعها من الأرض ، وتيسير أسبابها فيها؟ (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) أي : من هو الذي خلقهما وهو مالكهما؟ وخصهما بالذكر ، من باب التنبيه على المفضول بالفاضل ، ولكمال شرفهما ونفعهما. (وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) كإخراج أنواع الأشجار والنبات من الحبوب والنوى ، وإخراج المؤمن من الكافر ، والطائر من البيضة ، ونحو ذلك. (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) عكس هذه المذكورات. (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) في العالم العلوي والسفلي ، وهذا شامل لجميع أنواع التدابير الإلهية ، فإنك إذا سألتهم عن ذلك (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) لأنهم يعترفون بجميع ذلك ، وأن الله لا شريك له في شيء من المذكورات. (فَقُلْ) لهم إلزاما بالحجة (أَفَلا تَتَّقُونَ) الله فتخلصون له العبادة ، وحده لا شريك له ، وتخلعون ما تعبدونه من دونه من الأنداد والأوثان. (فَذلِكُمُ) الذي وصف نفسه بما وصفها به (اللهُ رَبُّكُمُ) أي : المألوه المعبود المحمود ، المربي جميع الخلق بالنعم وهو : (الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ). فإنه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير لجميع الأشياء ، الذي ما بالعباد من نعمة ، إلا منه ، ولا يأتي بالحسنات إلا هو ، ولا يدفع السيئات إلا هو ، ذو الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العظيمة والجلال والإكرام. (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) عن عبادة من هذا وصفه ، إلى عبادة الذي ليس له من وجوده إلا العدم ، ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا ، ولا موتا ، ولا حياة ولا نشورا. فليس له من الملك مثقال ذرة ، ولا شركة له بوجه من الوجوه ، ولا يشفع عند الله إلا بإذنه. فتبّا لمن أشرك به ، وويحا لمن كفر به ، لقد عدموا عقولهم بعد أن عدموا أديانهم ، بل فقدوا دنياهم وأخراهم. ولهذا قال تعالى عنهم : (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٣٣) بعد أن أراهم الله من الآيات البينات والبراهين النيرات ما فيه عبرة لأولي الألباب ، وموعظة للمتقين وهدى للعالمين.
[٣٤] يقول تعالى ـ مبينا عجز آلهة المشركين ، وعدم اتصافها ، بما يوجب اتخاذها آلهة مع الله ـ : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) أي يبتديه (ثُمَّ يُعِيدُهُ). وهذا استفهام بمعنى النفي والتقرير ، أي : ما منهم أحد يبدأ الخلق ثم يعيده ، وهي أضعف من ذلك وأعجز ، (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) من غير مشارك ، ولا معاون له على ذلك. (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي : تصرفون ، وتنحرفون عن عبادة المنفرد بالابتداء ، والإعادة ، إلى عبادة من لا يخلق شيئا وهم يخلقون.