معرفتها يتمكن العارف من فعلها إن كانت مأمورا بها ، أو تركها إن كانت محظورة من الأمر بها أو النهي عنها. ومنها : أنه ينبغي للمؤمن أن يؤدي ما عليه من الحقوق ، منشرح الصدر ، مطمئن النفس ، ويحرص أن تكون مغنما ، ولا تكون مغرما.
[١٠٠] (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) هم الّذين سبقوا هذه الأمة وبدروها للإيمان والهجرة ، والجهاد ، وإقامة دين الله. (مِنَ الْمُهاجِرِينَ) الّذين ، أخرجوا من ديارهم وأموالهم ، يبتغون فضلا من الله ورضوانا ، وينصرون الله ورسوله ، أولئك هم الصادقون. (وَ) من (الْأَنْصارِ) الّذين تبوّؤا الدار والإيمان من قبلهم ، يحبون من هاجر إليهم ، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ، ويؤثرون على أنفسهم ، ولو كان بهم خصاصة. (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) بالاعتقادات ، والأقوال والأعمال ، فهؤلاء هم الّذين سلموا من الذم ، وحصل لهم نهاية المدح ، وأفضل الكرامات من الله. (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) ورضاه تعالى أكبر من نعيم الجنة ، (وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ) الجارية ، التي تساق إلى سقي الجنان ، والحدائق الزاهية الزاهرة ، والرياض الفاخرة. (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) لا يبغون عنها حولا ، ولا يطلبون منها بدلا ، لأنهم مهما تمنوه ، أدركوه ، ومهما أرادوه ، وجدوه. (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الذي حصل لهم فيه ، كل محبوب للنفوس ، ولذة للأرواح ، ونعيم للقلوب ، وشهوة للأبدان ، واندفع عنهم كل محذور.
[١٠١] يقول تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) أيضا منافقون (مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) أي : تمرنوا عليه ، وازدادوا فيه طغيانا. (لا تَعْلَمُهُمْ) بأعيانهم ، فتعاقبهم ، أو تعاملهم بمقتضى نفاقهم ، لما لله في ذلك من الحكمة الباهرة. (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) يحتمل أن التثنية على بابها ، وأن عذابهم عذاب في الدنيا ، وعذاب في الآخرة. ففي الدنيا ما ينالهم من الهم والغم ، والكراهة لما يصيب المؤمنين من الفتح والنصر. وفي الآخرة عذاب النار ، وبئس القرار. ويحتمل أن المراد ، سنغلظ عليهم العذاب ، ونضاعفه عليهم ، ونكرره.
[١٠٢] يقول تعالى : (وَآخَرُونَ) ممن بالمدينة : ومن حولها ، بل ومن سائر البلاد الإسلامية ، (اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) أي : أقروا بها ، وندموا عليها ، وسعوا في التوبة منها ، والتطهر من أدرانها. (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) ، ولا يكون العمل صالحا ، إلا إذا كان مع العبد أصل التوحيد والإيمان ، المخرج عن الكفر والشرك ، الذي هو شرط لكل عمل صالح. فهؤلاء خلطوا الأعمال الصالحة ، بالأعمال السيئة ، من التجري على بعض المحرمات ، والتقصير في بعض الواجبات ، مع الاعتراف بذلك والرجاء بأن يغفر الله لهم ، فهؤلاء (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) وتوبته على عبده نوعان : الأول : التوفيق للتوبة. والثاني : قبولها بعد وقوعها منهم. (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي : وصفه المغفرة والرحمة ، اللتان لا يخلو مخلوق منهما. بل لا بقاء للعالم العلوي والسفلي إلا بهما ، فلو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ، ما ترك عليها من دابة. (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً). ومن مغفرته : أن المسرفين على أنفسهم ، الّذين قطعوا أعمارهم بالأعمال السيئة ، إذا تابوا إليه