وأنابوا ، ولو قبيل موتهم بأقل القليل ، فإنه يعفو عنهم ، ويتجاوز عن سيئاتهم ، فهذه الآية دالة على أن المخلط المعترف النادم ، الذي لم يتب توبة نصوحا ، أنه تحت الخوف والرجاء ، وهو إلى السلامة أقرب. وأما المخلط الذي لم يعترف ، ولم يندم على ما مضى منه ، بل لا يزال مصرا على الذنوب ، فإنه يخاف عليه أشد الخوف.
[١٠٣] قال تعالى لرسوله ، ومن قام مقامه ، آمرا له بما يطهر المؤمنين ، ويتمم إيمانهم : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) وهي الزكاة المفروضة ، (تُطَهِّرُهُمْ) أي : تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة. (وَتُزَكِّيهِمْ) أي : تنميهم ، وتزيد في أخلاقهم الحسنة ، وأعمالهم الصالحة ، وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي ، وتنمي أموالهم. (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أي : ادع لهم ، أي : للمؤمنين عموما وخصوصا ، عند ما يدفعون إليك زكاة أموالهم. (إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) أي : طمأنينة لقلوبهم ، واستبشار لهم ، (وَاللهُ سَمِيعٌ) لدعائك ، سمع إجابة وقبول. (عَلِيمٌ) بأحوال العباد ونياتهم ، فيجازي كل عامل بعمله ، وعلى قدر نيته. فكان النبي صلىاللهعليهوسلم يمتثل لأمر الله ، ويأمرهم بالصدقة ، ويبعث عماله لجبايتها ، فإذا أتاه وأخذ صدقته ، دعا له ، وبرّك. ففي هذه الآية ، دلالة على وجوب الزكاة في جميع الأموال ، وهذا إذا كانت للتجارة ، ظاهرة ، فإنها أموال تنمى ويكتسب بها ، فمن العدل أن يواسى منها الفقراء ، بأداء ما أوجب الله فيها من الزكاة. وما عدا أموال التجارة ، فإن كان المال ينمى ، كالحبوب ، والثمار ، والماشية المتخذة للنماء ، والدر ، والنسل ، فإنه تجب فيها الزكاة ، وإلا لم تجب فيها ، لأنها إذا كانت للقنية ، لم تكن بمنزلة الأموال التي يتخذها الإنسان في العادة ، ما لا يتمول ، ويطلب منه المقاصد المالية ، وإنّما صرف عن المالية بالقنية ونحوها. وفيها : أن العبد لا يمكنه أن يتطهر ويتزكى ، حتى يخرج زكاة ماله ، وأنه لا يكفرها شيء سوى أدائها ، لأن الزكاة والتطهير ، متوقف على إخراجها. وفيها : استحباب الدعاء من الإمام أو نائبه ، لمن أدى زكاته بالبركة ، وإن ذلك ينبغي أن يكون جهرا ، بحيث يسمعه المتصدق ، فيسكن إليه. ويؤخذ من المعنى ، أنه ينبغي إدخال السرور على المؤمن ، بالكلام اللين ، والدعاء له ، ونحو ذلك مما يكون فيه طمأنينة ، وسكون لقلبه.
[١٠٤] أي : أما علموا سعة رحمة الله ، وعموم كرمه وأنه (يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) التائبين من أي ذنب كان ، بل يفرح تعالى بتوبة عبده إذا تاب ، أعظم فرح يقدر. (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) منهم أي يقبلها ، ويأخذها بيمينه ، فيربيها لأحدهم كما يربي الرجل فلوّه ، حتى تكن التمرة الواحدة كالجبل العظيم ، فكيف بما هو أكبر وأكثر من ذلك. (وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أي : كثير التوبة على التائبين ، فمن تاب إليه ، تاب عليه ، ولو تكررت منه المعصية مرارا. ولا يمل الله من التوبة على عباده ، حتى يملوا هم ، ويأبوا إلا النفار والشرود عن بابه ، وموالاتهم عدوهم. (الرَّحِيمُ) الذي وسعت رحمته كل شيء ، وكتبها للذين يتقون ، ويؤتون الزكاة ، ويؤمنون بآياته ، ويتبعون رسوله.
[١٠٥] يقول تعالى : (وَقُلِ) لهؤلاء المنافقين : (اعْمَلُوا) ما ترون من الأعمال ، واستمروا على باطلكم ، فلا تحسبوا أن ذلك سيخفى. (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) أي : لا بد أن يتبين عملكم ويتضح ، (وَسَتُرَدُّونَ إِلى