يمكر فيها بدينه ، ويستهزىء به وبآياته ورسوله ، فإن الله تعالى يظهرها ويفضح صاحبها ، ويعاقبه أشد العقوبة. وأن من استهزأ بشيء من كتاب الله وسنة رسوله الثابتة عنه ، أو سخر بذلك ، أو تنقصه ، أو استهزأ بالرسول ، أو تنقصه ، فإنه كافر بالله العظيم ، وأن التوبة مقبولة من كل ذنب ، وإن كان عظيما.
[٦٧] يقول تعالى : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) لأنهم اشتركوا في النفاق ، فاشتركوا في تولّي بعضهم بعضا ، وفي هذا قطع للمؤمنين من ولايتهم. ثمّ ذكر وصف المنافقين العام ، الذي لا يخرج منه صغير منهم ولا كبير ، فقال : (يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ) وهو : الكفر ، والفسوق ، والعصيان. (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) وهو : الإيمان ، والأخلاق الفاضلة ، والأعمال الصالحة ، والآداب الحسنة. (وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ) عن الصدقة ، وطرق الإحسان ، فوصفهم بالبخل. (نَسُوا اللهَ) فلا يذكرونه إلا قليلا ، (فَنَسِيَهُمْ) من رحمته ، فلا يوفقهم لخير ، ولا يدخلهم الجنة ، بل يتركهم في الدرك الأسفل من النار ، خالدين فيها ، مخلدين. (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) حصر الفسق فيهم ، لأن فسقهم ، أعظم من فسق غيرهم ، بدليل أن عذابهم أشد من عذاب غيرهم ، وأن المؤمنين قد ابتلوا بهم ، إذ كانوا بين أظهرهم ، والاحتراز منهم شديد.
[٦٨] (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٦٨) ، جمع المنافقين والكفار ، في نار جهنّم ، واللعنة والخلود في ذلك ، لاجتماعهم في الدنيا على الكفر ، والمعاداة لله ورسوله ، والكفر بآياته.
[٦٩] يقول تعالى واصفا حال المنافقين : إن حالكم ـ أيها المنافقون ـ كحال أمثالكم ممن سبقوكم إلى النفاق والكفر ، وقد كانوا أقوى منكم وأكثر أموالا وأولادا ، استمتعوا بما قدر لهم من حظوظ الدنيا ، وأعرضوا عن ذكر الله وتقواه ، وقابلوا أنبياءهم بالاستخفاف ، وسخروا منهم فيما بينهم وبين أنفسهم. وقد استمتعتم بما قدر لكم من ملاذ الدنيا كما استمتعوا ، وخضتم فيما خاضوا فيه من المنكر والباطل. إنهم قد بطلت أعمالهم فلم تنفعهم في الدنيا ولا في الآخرة ، وكانوا هم الخاسرين ، وأنتم مثلهم في سوء الحال والمآل ، والعاقبة الوخيمة. (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ) أي : بنصيبكم من الدنيا ، فتناولتموه على وجه اللذة والشهوة ، معرضين عن المراد منه ، واستعنتم به على معاصي الله ، ولم تتعد همتكم وإرادتكم ما خولتم من النعم ، كما فعل الّذين من قبلكم (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) أي : وخضتم بالباطل والزور ، وجادلتم بالباطل لتدحضوا به الحقّ. فهذه أعمالهم وعلومهم ، استمتاع بالخلاق ، وخوض بالباطل ، فاستحقوا من العقوبة والإهلاك ، ما استحق من قبلهم ، ممن فعلوا كفعلهم. وأما المؤمنون منهم ـ وإن استمتعوا بنصيبهم ، وما خولوا من الدنيا ـ فإنه على وجه الاستعانة به على طاعة الله. وأما علومهم فهي علوم الرسل ، وهي الوصول إلى اليقين في جميع المطالب العالية ، والمجادلة بالحق ، لإدحاض الباطل.
[٧٠] يقول تعالى محذرا للمنافقين ، أن يصيبهم ما أصاب من قبلهم من الأمم المكذبة. (قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ)