(وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ) أي : قرى قوم لوط. فكلهم (أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي : بالحق الواضح الجلي ، المبين لحقائق الأشياء ، فكذبوا بها ، فجرى عليهم ما قص الله علينا فأنتم أعمالكم شبيهة بأعمالهم. قوله : (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) إذ أوقع بهم من عقوبته ما أوقع. (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) حيث تجرأوا على معاصيه ، وعصوا رسلهم ، واتبعوا أمر كل جبار عنيد.
[٧١] لما ذكر أن المنافقين ، بعضهم من بعض ، ذكر أن المؤمنين ، بعضهم أولياء بعض ، ووصفهم بضد ما وصف به المنافقين فقال : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ) أي : ذكورهم وإناثهم (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) في المحبة والموالاة ، والانتماء والنصرة. (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) وهو اسم جامع لكل ما عرف حسنه من العقائد الحسنة ، والأعمال الصالحة ، والأخلاق الفاضلة ، وأول من يدخل في أمرهم أنفسهم ، (وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وهو : كل ما خالف المعروف وناقضه من العقائد الباطلة ، والأعمال الخبيثة ، والأخلاق الرذيلة. (وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي لا يزالون ملازمين لطاعة الله ورسوله على الدوام. (أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) أي : يدخلهم في رحمته ، ويشملهم بإحسانه. (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي : قوي قاهر ، ومع قوته ، فهو حكيم ، يضع كل شيء موضعه اللائق به الذي يحمد على ما خلقه وأمر به.
[٧٢] ثمّ ذكر ما أعد الله لهم من الثواب فقال : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) جامعة لكل نعيم وفرح ، خالية من كل أذى وترح ، تجري من تحت قصورها ، ودورها ، وأشجارها الأنهار الغزيرة ، المروية للبساتين الأنيقة ، التي لا يعلم ما فيها من الخيرات إلا الله تعالى. (خالِدِينَ فِيها) لا يبغون عنها حولا (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) قد زخرفت ، وحسنت ، وأعدت لعباد الله المتقين. قد طاب مرآها ، وطاب منزلها ومقيلها ، وجمعت من آلات المساكن العالية ما لا يتمنى فوقه المتمنون ، حتى إن الله تعالى قد أعد لهم غرفا في غاية الصفاء والحسن ، يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها. فهذه المساكن الأنيقة ، التي حقيق بأن تسكن إليها النفوس ، وتنزع إليها القلوب ، وتشتاق لها الأرواح ، لأنها في جنات عدن ، أي : إقامة لا يظعنون عنها ، ولا يتحولون منها. (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) يحله على أهل الجنة (أَكْبَرُ) مما هم فيه من النعيم. فإن نعيمهم لم يطب ، إلا برؤية ربهم ، ورضوانه عليهم ، ولأنه الغاية التي أمّها العابدون ، والنهاية التي سعى نحوها المحبون ، فرضا رب الأرض والسموات أكبر من نعيم الجنات. (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) حيث حصلوا على كل مطلوب ، وانتفى عنهم كل محذور ، وحسنت وطابت منهم جميع الأمور ، فنسأل الله أن يجعلنا معهم بجوده.
[٧٣] يقول تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) أي : بالغ في جهادهم (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) حيث اقتضت الحال الغلظة عليهم. وهذا الجهاد يدخل فيه الجهاد باليد ، والجهاد بالحجة واللسان ، فمن بارز منهم بالمحاربة فيجاهد باليد ، واللسان ، والسيف ، والسنان. ومن كان مذعنا للإسلام ، بذمة أو عهد ، فإنه يجاهد بالحجة والبرهان ويبين له محاسن الإسلام ، ومساوئ الشرك والكفران ، فهذا ما لهم في الدنيا. (وَ) أما في الآخرة ، فإن