ردوها ، فخسروا دنياهم وآخرتهم. (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ) بالقول والفعل (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الدنيا والآخرة. ومن العذاب الأليم ، أنه يتحتم قتل مؤذيه وشاتمه.
[٦٢] (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) فيتبرأوا مما صدر منهم من الأذية وغيرها. فغايتهم أن ترضوا عليهم. (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ) لأن المؤمن لا يقدم شيئا على رضا ربه. فدل هذا ، على انتفاء إيمانهم ، حيث قدموا رضا غير الله ورسوله. وهذا محادة لله ، ومشاقة له ،
[٦٣] وقد توعد من حاده بقوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ) بأن يكون في حق وشق مبعد عن الله ورسوله بأن تهاون بأوامر الله ، وتجرأ على محارمه. (فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ) الذي لا خزي أشنع ولا أفظع منها ، حيث فاتهم النعيم المقيم ، وحصلوا على عذاب الجحيم عياذا بالله من حالهم.
[٦٤] كانت هذه السورة الكريمة تسمى «الفاضحة» لأنها بينت أسرار المنافقين ، وهتكت أستارهم ، فما زال الله يقول : ومنهم ومنهم ، ويذكر أوصافهم ، إلا أنه لم يعين أشخاصهم لفائدتين : إحداهما : أن الله ستّير ، يحب الستر على عباده. والثانية : أن الذم على من اتصف بذلك الوصف من المنافقين ، الّذين توجه إليهم الخطاب وغيرهم إلى يوم القيامة ، فكان ذكر الوصف أعم وأنسب ، حتى خافوا غاية الخوف. قال الله تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) (٦١). وقال هنا : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) أي : تخبرهم وتفضحهم ، وتبين أسرارهم ، حتى تكون علانية لعباده ، ويكونوا عبرة للمعتبرين. (قُلِ اسْتَهْزِؤُا) أي : استمروا على ما أنتم عليه ، من الاستهزاء والسخرية. (إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) وقد وفّى تعالى بوعده ، فأنزل هذه السورة التي بينتهم وفضحتهم ، وهتكت أستارهم.
[٦٥ ـ ٦٦] (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) عما قالوه من الطعن في المسلمين ، وفي دينهم ، يقول طائفة منهم في غزوة تبوك : «ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ـ يعنون النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ـ أرغب بطونا وأكذب ألسنا ، وأجبن عند اللقاء» ونحو ذلك. ولما بلغهم أن النبي صلىاللهعليهوسلم قد علم بكلامهم ، جاؤوا يعتذرون إليه ويقولون : (إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) أي نتكلم بكلام ، لا قصد لنا به ، ولا قصدنا الطعن والعيب. قال الله تعالى ـ مبينا عدم عذرهم وكذبهم في ذلك ـ : (قُلْ) لهم (أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) فإن الاستهزاء بالله ورسوله ، كفر مخرج عن الدين ، لأن أصل الدين ، مبني على تعظيم الله ، وتعظيم دينه ورسله ، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ، ومناقض له أشد المناقضة. ولهذا لما جاؤوا إلى الرسول يعتذرون بهذه المقالة ، والرسول لا يزيدهم على قوله : (أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ). وقوله : (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) لتوبتهم واستغفارهم وندمهم ، (نُعَذِّبْ طائِفَةً) منكم (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنهم (كانُوا مُجْرِمِينَ) مقيمين على كفرهم ونفاقهم. وفي هذه الآيات ، دليل على أن من أسر سريرة ، خصوصا السريرة التي