نصفها فأكثر ، ولا يجد تمام كفايته ، لأنه لو وجدها لكان غنيا ، فيعطون من الزكاة ، ما يزول به فقرهم ومسكنتهم. والثالث : العالمون على الزكاة ، وهم : كل من له عمل وشغل فيها ، من حافظ لها ، وجاب لها من أهلها ، أو راع ، أو حامل لها ، أو كاتب ، أو نحو ذلك. فيعطون لأجل عمالتهم ، وهي أجرة لأعمالهم فيها. والرابع : المؤلفة قلوبهم. والمؤلف قلبه هو : السيد المطاع في قومه ، ممن يرجى إسلامه ، أو يخشى شره أو يرجى بعطيته ، قوة إيمانه ، أو إسلام نظيره ، أو جبايتها ممن لا يعطيها. فيعطى ، ما يحصل به التأليف والمصلحة. والخامس : الرقاب ، وهم المكاتبون الّذين قد اشتروا أنفسهم من ساداتهم. فهم يسعون في تحصيل ما يفك رقابهم ، فيعانون على ذلك من الزكاة. وفك الرقبة المسلمة التي في حبس الكفار ، داخل في هذا ، بل أولى. ويدخل في هذا ، أنه يجوز أن يعتق الرقاب استقلالا ، لدخوله في قوله : (وَفِي الرِّقابِ). والسادس : الغارمون ، وهم قسمان : أحدهما : الغارمون لإصلاح ذات البيت ، وهو أن يكون بين طائفتين من الناس ، شر وفتنة ، فيتوسط الرجل للإصلاح بينهم ، بما يبذله لأحدهم أو لهم كلهم. فجعل له نصيب من الزكاة ، ليكون أنشط له ، وأقوى لعزمه ، فيعطى ، ولو كان غنيا. والثاني : من غرم لنفسه ، ثمّ أعسر ، فإنه يعطى ما يوفّى به دينه. والسابع : الغازي في سبيل الله ، وهم : الغزاة المتطوعة ، الّذين لا ديوان لهم. فيعطون من الزكاة ، ما يعينهم على غزوهم ، من ثمن سلاح ، أو دابة ، أو نفقة له ولعياله ، ليتوفر على الجهاد ، ويطمئن قلبه. وقال كثير من الفقهاء : إن تفرغ القادر على الكسب لطلب العلم ، أعطي من الزكاة ، لأن العلم داخل في الجهاد في سبيل الله. وقالوا أيضا : يجوز أن يعطى منها الفقير ، لحج فرضه ، وفيه نظر. والثامن : ابن السبيل ، وهو : الغريب المنقطع به في غير بلده. فيعطى من الزكاة ، ما يوصله إلى بلده. فهؤلاء الأصناف الثمانية ، الّذين تدفع إليهم الزكاة وحدهم (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) فرضها وقدرها ، تابعة لعلمه وحكمه (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). واعلم أن هذه الأصناف الثمانية ، ترجع إلى أمرين : أحدهما : من يعطى لحاجته ونفعه ، كالفقير ، والمسكين ، ونحوهما. والثاني : من يعطى للحاجة إليه ، وانتفاع الإسلام به. فأوجب الله هذه الحصة ، في أموال الأغنياء ، لسد الحاجات الخاصة والعامة ، للإسلام والمسلمين. فلو أعطى الأغنياء زكاة أموالهم ، على الوجه الشرعي ، لم يبق فقير من المسلمين. ولحصل من الأموال ، ما يسد الثغور ، ويجاهد به الكفار ، وتحصل به جميع المصالح الدينية.
[٦١] أي : من هؤلاء المنافقين : (الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) بالأقوال الردية ، والعيب له ولدينه. (وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) أي : لا يبالون بما يقولون من الأذية للنبي. ويقولون : إذا بلغه عنا بعض ذلك ، جئنا نعتذر إليه ، فيقبل منا ، لأنه أذن ، أي : يقبل كل ما يقال له ، لا يميز بين صادق وكاذب. وقصدهم ـ قبحهم الله ـ فيما بينهم ، أنهم غير مكترثين بذلك ، ولا مهتمين به. لأنه إذا لم يبلغه ، فهذا مطلوبهم ، وإن بلغه ، اكتفوا بمجرد الاعتذار الباطل. فأساءوا كل الإساءة ، من أوجه كثيرة ، أعظمها أذية نبيهم ، الذي جاء لهدايتهم ، وإخراجهم من الشقاء والهلاك ، إلى الهدى والسعادة. ومنها : عدم اهتمامهم أيضا بذلك ، وهو قدر زائد على مجرد الأذية. ومنها : قدحهم في عقل النبي صلىاللهعليهوسلم ، وعدم إدراكه ، وتفريقه بين الصادق والكاذب. وهو أكمل الخلق عقلا ، وأتمهم إدراكا ، وأثقبهم رأيا وبصيرة ، ولهذا قال تعالى : (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) أي : يقبل من قال له خيرا وصدقا. وأما إعراضه وعدم تعنيه لكثير من المنافقين المعتذرين بالأعذار الكاذبة ، فلسعة خلقه ، وعدم اهتمامه بشأنهم ، وامتثاله لأمر الله في قوله : (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ). وأما حقيقة ما في قلبه ورأيه ، فقال عنه : (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) الصادقين المصدقين ، ويعلم الصادق من الكاذب ، وإن كان كثيرا ما يعرض عن الّذين يعرف كذبهم وعدم صدقهم. (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) فإنهم به يهتدون ، وبأخلاقه يقتدون. وأما غير المؤمنين فإنهم لم يقبلوا هذه الرحمة ، بل