ولا يتشبه بالمنافقين.
[٥٥] يقول تعالى : فلا تعجبك أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم ، فإنه لا غبطة فيها. وأول بركاتها عليهم ، أن قدموها على مراضي ربهم ، وعصوا الله لأجلها : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا). والمراد بالعذاب هنا ، ما ينالهم من المشقة في تحصيلها ، والسعي الشديد في ذلك ، وهم القلب فيها ، وتعب البدن. فلو قابلت لذاتهم فيها بمشقاتهم ، لم يكن لها نسبة إليها ، فهي ـ لما ألهتهم عن الله وذكره ـ صارت وبالا عليهم ، حتى في الدنيا. ومن وبالها العظيم الخطر ، أن قلوبهم تتعلق بها ، وإرادتهم لا تتعداها فتكون منتهى مطلوبهم ، وغاية مرغوبهم ولا يبقى في قلوبهم للآخرة نصيب ، فيوجب ذلك ، أن ينتقلوا من الدنيا (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ). فأي : عقوبة أعظم من هذه العقوبة ، الموجبة للشقاء الدائم ، والحسرة الملازمة.
[٥٦] (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ) قصدهم في حلفهم هذا أنهم (قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) أي : يخافون الدوائر ، وليس في قلوبهم شجاعة تحملهم على أن يبينوا أحوالهم. فيخافون إن أظهروا حالهم منكم ، ويخافون أن تتبرأوا منهم ، فيتخطفهم الناس من كل جانب. وأما حال قوي القلب ، ثابت الجنان ، فإنه يحمله ذلك ، على بيان حاله ، حسنة كانت أو سيئة. ولكن المنافقين خلع عليهم خلعة الجبن ، وحلوا بحلية الكذب.
[٥٧] ثمّ ذكر شدة جبنهم فقال : (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) يلجأون إليه عند ما تنزل بهم الشدائد. (أَوْ مَغاراتٍ) يدخلونها ، فيستقرون فيها (أَوْ مُدَّخَلاً) أي : محلا يدخلونه فيتحصنون فيه (لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) أي : يسرعون ويهرعون. فليس لهم ملكة ، يقتدرون بها على الثبات.
[٥٨] أي : ومن هؤلاء المنافقين ، من يعيبك في قسمة الصدقات ، وينتقد عليك فيها. وليس انتقادهم فيها وعيبهم ، لقصد صحيح ، ولا لرأي رجيح ، وإنّما مقصودهم أن يعطوا منها. (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) وهذه حالة ، لا ينبغي للعبد أن يكون رضاه وغضبه ، تابعا لهوى نفسه الدنيوي ، وغرضه الفاسد. بل الذي ينبغي ، أن يكون لمرضاة ربه ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به».
[٥٩] وقال هنا : (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) أي : أعطاهم من قليل وكثير. (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) أي : كافينا الله ، فنرضى بما قسمه لنا. وليؤملوا فضله وإحسانه إليهم بأن يقولوا : (سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ) أي : متضرعون في جلب منافعنا ، ودفع مضارنا.
[٦٠] ثمّ بين تعالى كيفية قسمة الصدقات الواجبة فقال : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ) إلى (عَلِيمٌ حَكِيمٌ). ويقول تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ) أي : الزكوات الواجبة ، بدليل أن الصدقة المستحبة لكل أحد ، لا يخص بها أحد دون أحد. إنّما الصدقات ـ لهؤلاء المذكورين ، دون من عداهم ، لأنه حصرها فيهم ، وهم ثمانية أصناف : الأول والثاني : الفقراء والمساكين ، وهم في هذا الموضع ، صنفان متفاوتان : فالفقير ، أشد حاجة من المسكين ، لأن الله بدأ بهم ، ولا يبدأ إلا بالأهم فالأهم ، ففسر الفقير ، بأنه الذي لا يجد شيئا ، أو يجد بعض كفايته دون نصفها. والمسكين : هو الذي يجد