والأبدان ، من إخلاص الدين لله وحده ، ومحبة الله وعبادته ، والأمر بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، والأعمال الصالحة ، والآداب النافعة ، والنهي عن كل ما يضاد ذلك ويناقضه من الأخلاق والأعمال السيئة ، المضرة للقلوب والأبدان والدنيا والآخرة. فأرسله الله بالهدى ودين الحقّ (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) أي : ليعليه على سائر الأديان ، بالحجة والبرهان ، والسيف والسنان ، وإن كره المشركون ذلك ، وبغوا له الغوائل ، ومكروا مكرهم ، فإن المكر السيّء لا يضر إلا صاحبه ، فوعد الله لا بد أن ينجزه ، وما ضمنه لا بد أن يقوم به.
[٣٤ ـ ٣٥] هذا تحذير من الله تعالى لعباده المؤمنين ، عن كثير من الأحبار والرهبان ، أي : العلماء والعباد الّذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، أي : بغير حق ، ويصدون عن سبيل الله ، فإنهم إذا كانت لهم رواتب من أموال الناس ، أو بذل الناس لهم من أموالهم ، فإنه لأجل علمهم وعبادتهم ، ولأجل هداهم وهدايتهم. وهؤلاء يأخذونها ، ويصدون الناس عن سبيل الله ، فيكون أخذهم لها على هذا الوجه سحتا وظلما ، فإن الناس ما بذلوا لهم من أموالهم ، إلا ليدلوهم على الطريق المستقيم. ومن أخذهم لأموال الناس بغير حق ، أن يعطوهم ليفتوهم ، أو يحكموا لهم بغير ما أنزل الله. فهؤلاء الأحبار والرهبان ، ليحذر منهم هاتان الحالتان : أخذهم لأموال الناس بغير حق ، وصدهم الناس عن سبيل الله. (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) أي : يمسكونها (وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : طرق الخير الموصلة إلى الله ، وهذا هو الكنز المحرم ، أن يمسكها عن النفقة الواجبة ، كأن يمنع منها الزكاة أو النفقات الواجبة للزوجات ، أو الأقارب ، أو النفقة في سبيل الله إذا وجبت. (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ). ثمّ فسره بقوله : (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها) أي : على أموالهم ، (فِي نارِ جَهَنَّمَ) فيحمى كل دينار أو درهم على حدته. (فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ) في يوم القيامة كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، ويقال لهم توبيخا ولوما : (هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) فما ظلمكم ولكنكم ظلمتم أنفسكم ، وعذبتموها بهذا الكنز. وذكر الله في هاتين الآيتين ، انحراف الإنسان في ماله ، وذلك بأحد أمرين : إما أن ينفقه في الباطل ، الذي لا يجدي عليه نفعا ، بل لا يناله منه إلا الضرر المحض ، وذلك كإخراج الأموال في المعاصي والشهوات التي لا تعين على طاعة الله ، وإخراجها للصد عن سبيل الله. وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات ، و «النهي عن الشيء ، أمر بضده».
[٣٦] يقول تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ) أي : في قضاء الله وقدره (اثْنا عَشَرَ شَهْراً) وهي هذه الشهور المعروفة (فِي كِتابِ اللهِ) أي في حكمه القدري ، (يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وأجرى ليلها ونهارها ، وقدّر أوقاتها فقسمها على هذه الشهور الاثني عشر شهرا. (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وهي : رجب الفرد ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، وسميت حرما ، لزيادة حرمتها ، وتحريم القتال فيها. (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثني عشر شهرا ، وأن الله تعالى ، بيّن أنه جعلها مقادير للعباد ، وأن تعمر بطاعته ، ويشكر الله تعالى