(يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً) أي : إلا بمجرد اتباع الهوى. (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
[٨٢] قال الله تعالى فاصلا بين الفريقين : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا) أي : يخلطوا (إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) الأمن من المخاوف ، والعذاب والشقاء ، والهداية إلى الصراط المستقيم. فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقا ، لا بشرك ، ولا بمعاصي ، حصل لهم الأمن التام ، والهداية التامة. وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده ، ولكنهم يعملون السيئات ، حصل لهم أصل الهداية ، وأصل الأمن ، وإن لم يحصل لهم كمالها. ومفهوم الآية الكريمة ، أن الّذين لم يحصل لهم الأمران ، لم يحصل لهم هداية ، ولا أمن ، بل حظهم الضلال والشقاء.
[٨٣] ولما حكم لإبراهيم عليهالسلام ، بما بين به من البراهين القاطعة قال : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) أي : علا بها عليهم ، وحاجهم بها. (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) كما رفعنا درجات إبراهيم عليهالسلام في الدنيا والآخرة ، فإن العلم يرفع الله به صاحبه ، فوق العباد درجات. خصوصا ، العالم العامل ، المعلم ، فإنه يجعله الله إماما للناس ، بحسب حاله. ترمق أفعاله ، وتقتفى آثاره ، ويستضاء بنوره ، ويمشى بعلمه في ظلمة ديجوره. قال تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ). (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) فلا يضع العلم والحكمة ، إلا في المحل اللائق بهما ، وهو أعلم بذلك المحل ، وبما ينبغي له.
[٨٤] لما ذكر الله عبده وخليله ، إبراهيم عليهالسلام ، وذكر ما منّ الله عليه به ، من العلم ، والدعوة ، والصبر ، ذكر ما أكرمه الله به من الذرية الصالحة ، والنسل الطيب. وأن الله جعل صفوة الخلق من نسله ، وأعظم بهذه المنقبة والكرامة الجسيمة ، التي لا يدرك لها نظير فقال : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) ابنه ، الذي هو إسرائيل ، أبو الشعب الذي فضله الله على العالمين. (كُلًّا) منهما (هَدَيْنا) الصراط المستقيم ، في علمه وعمله. (وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ) وهدايته أعلى أنواع الهدايات الخاصة التي لم تحصل إلا لأفراد من العالم ؛ وهم أولو العزم من الرسل ، الذي هو أحدهم. (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ) يحتمل أن الضمير عائد إلى نوح ، لأنه أقرب مذكور ، لأن الله ذكر مع من ذكر ، لوطا ، وهو من ذرية نوح ، لا من ذرية إبراهيم لأنه ابن أخيه. ويحتمل أن الضمير يعود إلى إبراهيم لأن السياق في مدحه والثناء عليه. ولوط ـ وإن لم يكن من ذريته ـ فإنه ممن آمن على يده. فكان منقبة الخليل وفضيلته بذلك ، أبلغ من كونه مجرد ابن له. (داوُدَ وَسُلَيْمانَ) بن داود (وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ) بن يعقوب. (وَمُوسى وَهارُونَ) ابني عمران. (وَكَذلِكَ) كما أصلحنا ذرية إبراهيم الخليل ، لأنه أحسن في عبادة ربه ، وأحسن في نفع الخلق كذلك. (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) بأن نجعل لهم ، من الثناء الصدق ، والذرية الصالحة ، بحسب إحسانهم.
[٨٥] (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى) ابنه (وَعِيسى) ابن مريم. (وَإِلْياسَ كُلٌ) هؤلاء (مِنَ الصَّالِحِينَ) في أخلاقهم وأعمالهم ، وعلومهم ، بل هم سادة الصالحين وقادتهم ، وأئمتهم.
[٨٦] (وَإِسْماعِيلَ) بن إبراهيم أبو الشعب الذي هو أفضل الشعوب ، وهو الشعب العربي ، ووالد سيد ولد آدم