المشفقين. والأحبار أي : العلماء الكبار الذين يقتدى بأقوالهم ، وترمق آثارهم ، ولهم لسان الصدق بين أممهم. وذلك الحكم الصادر منهم الموافق للحق (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) أي : بسبب أن الله استحفظهم على كتابه ، وجعلهم أمناء عليه ، وهو أمانة عندهم ، أوجب عليهم حفظه ، من الزيادة والنقصان والكتمان ، وتعليمه لمن لا يعلمه. وهم شهداء عليه ، بحيث إنهم المرجوع إليهم فيه ، وفيما اشتبه على الناس منه. فالله تعالى قد حمل أهل العلم ، ما لم يحمله الجهال ، فيجب عليهم القيام بأعباء ما حملوا. وأن لا يقتدوا بالجهال ، في الإخلاد إلى البطالة والكسل. وأن لا يقتصروا على مجرد العبادات القاصرة ، من أنواع الذكر ، والصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، ونحو ذلك من الأمور ، التي إذا قام بها غير أهل العلم ، سلموا ونجوا. وأما أهل العلم ، فكما أنهم مطالبون أن يعلموا الناس وينبهوهم على ما يحتاجون إليه ، من أمور دينهم ، خصوصا الأمور الأصولية ، والتي يكثر وقوعها وأن لا يخشوا الناس بل يخشون ربهم ولهذا قال : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) فتكتموا الحق ، وتظهروا الباطل ، لأجل متاع الدنيا القليل. وهذه الآفات ، إذا سلّم منها العالم ، فهو من توفيقه. وسعادته بأن يكون همه ، الاجتهاد في العلم والتعليم ، ويعلم ، أن الله قد استحفظه بما أودعه من العلم ، واستشهده عليه وأن يكون خائفا من ربه. ولا يمنعه خوف الناس وخشيتهم ، من القيام بما هو لازم له. وأن لا يؤثر الدنيا على الدين. كما أن علامة شقاوة العالم ، أن يكون مخلدا للبطالة ، غير قائم بما أمر به ، ولا مبال بما استحفظ عليه. قد أهمله وأضاعه ، قد باع الدين بالدنيا ، قد ارتشى في أحكامه ، وأخذ المال على فتاويه ، ولم يعلم عباد الله ، إلا بأجرة وجعالة. فهذا قد منّ الله عليه بمنة عظيمة ، كفرها ، ودفع حظا جسيما ، حرم منه غيره. فنسألك اللهم ، علما نافعا ، وعملا متقبلا ، وأن ترزقنا العفو والعافية ، من كل بلاء ، يا كريم. (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) من الحق المبين ، وحكم بالباطل الذي يعلمه ، لغرض من أغراضه الفاسدة (فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ). فالحكم بغير ما أنزل الله من أعمال أهل الكفر ، وقد يكون كفرا ينقل عن الملة. وذلك إذا اعتقد حله وجوازه. وقد يكون كبيرة من كبائر الذنوب ، ومن أعمال الكفر ، قد استحق من فعله ، العذاب الشديد.
[٤٥] هذه الأحكام من جملة الأحكام التي في التوراة ، يحكم بها النبيون الذين أسلموا ، للذين هادوا ، والربانيون ، والأحبار. فإن الله أوجب عليهم ، أن النفس ـ إذا قتلت ـ تقتل بالنفس بشرط العمد والمكافأة. والعين ، تقلع بالعين ، والأذن تؤخذ بالأذن ، والسن ينزع بالسن. ومثل هذه ما أشبهها من الأطراف التي يمكن الاقتصاص منها بدون حيف. (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) والاقتصاص : أن يفعل به كما فعل. فمن جرح غيره عمدا ، اقتص من الجارح جرحا ، مثل جرحه للمجروح ، حدا ، وموضعا ، وطولا ، وعرضا وعمقا. وليعلم أن شرع من قبلنا ، شرع لنا ، ما لم يرد شرعنا بخلافه. (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ) أي : بالقصاص في النفس ، وما دونها من الأطراف والجروح ، بأن عفا عمن جنى ، وثبت له الحق قبله. (فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) أي : كفارة للجاني ، لأن الآدمي عفا عن حقه. والله