والكسوة ، والمسكن. ثم ذكر السبب الموجب لقيام الرجال على النساء فقال : (بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) أي : بسبب فضل الرجال على النساء ، وإفضالهم عليهم. فتفضيل الرجال على النساء ، من وجوه متعددة. من كون الولايات مختصة بالرجال ، والنبوة ، والرسالة ، واختصاصهم بكثير من العبادات ، كالجهاد ، والأعياد ، والجمع. وبما خصهم الله به ، من العقل ، والرزانة ، والصبر ، والجلد ، الذي ليس للنساء مثله. وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات ، بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال ، ويتميزون عن النساء. ولعل هذا ، سر قوله : (بِما أَنْفَقُوا) وحذف المفعول ، ليدل على عموم النفقة. فعلم من هذا كله ، أن الرجل كالوالي والسيد لإمرأته ، وهي عنده عانية أسيرة. فوظيفته ، أن يقوم بما استرعاه الله به. ووظيفتها ، القيام بطاعة ربها ، وطاعة زوجها ، فلهذا قال : (فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ) أي : مطيعات لله تعالى (حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ) أي : مطيعات لأزواجهن حتى في الغيب ، تحفظ بعلها بنفسها ، وماله ، وذلك بحفظ الله لهن ، وتوفيقه لهن ، لا من أنفسهن ، فإن النفس أمّارة بالسوء ، ولكن من توكل على الله ، كفاه ما أهمه من أمر دينه ودنياه. ثم قال : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) أي : ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن ، بأن تعصيه بالقول أو الفعل ، فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل. (فَعِظُوهُنَ) أي : ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته ، والترغيب في الطاعة ، والترهيب من المعصية. فإن انتهت ، فذلك المطلوب ، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع ، بأن لا يضاجعها ، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود. وإلا ، ضربها ضربا غير مبرح. فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور ، وأطعنكم (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) أي : فقد حصل لكم ما تحبون ، فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية ، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ، ويحدث بسببه الشر. (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) أي : له العلو المطلق ، بجميع الوجوه ، والاعتبارات ، علو الذات ، وعلو القدر ، وعلو القهر ، الكبير الذي لا أكبر منه ، ولا أجل ، ولا أعظم ، كبير الذات والصفات.
[٣٥] أي : وإن خفتم الشقاق بين الزوجين ، والمباعدة والمجانبة ، حتى يكون كل منهما في شق. (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) أي : رجلين مكلفين ، مسلمين عدلين ، عاقلين ، يعرفان ما بين الزوجين ، ويعرفان الجمع والتفريق. وهذا مستفاد من لفظ «الحكم» لأنه لا يصلح حكما ، إلا من اتصف بتلك الصفات. فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه ، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب. فإن لم يستطع أحدهما ذلك ، أقنعا الزوج الآخر بالرضا ، بما تيسر من الرزق والخلق. ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح ، فلا يعد لا عنه. فإن وصلت الحال ، إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما ، إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ، ومعصية الله ، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح ، فرقا بينهما. ولا يشترط رضا الزوج ، كما يدل عليه ، أن الله سماهما الحكمين. والحكم يحكم ، وإن لم يرض المحكوم عليه. ولهذا قال : (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) أي : بسبب الرأي الميمون والكلام الذي يجذب القلوب ، ويؤلف بين القرينين. (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً) أي : عالما بجميع الظواهر والبواطن ، مطلعا على خفايا