ونسيانا (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) أي : عظيمة كما يفيده التنكير (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً).
[٣١] وعدهم أنهم إذا اجتنبوا كبائر المنهيات ، غفر لهم جميع الذنوب والسيئات ، وأدخلهم مدخلا كريما ، كثير الخير ، وهو الجنة ، المشتملة على ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. ويدخل في اجتناب الكبائر ، فعل الفرائض التي يكون تاركها مرتكبا كبيرة ، كالصلوات الخمس ، والجمعة وصوم رمضان ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينها ، ما اجتنبت الكبائر». وأحسن ما حدّدت به الكبائر ، أن الكبيرة ما فيه حد في الدنيا ، أو وعيد في الآخرة ، أو نفي إيمان ، أو ترتيب لعنة ، أو غضب عليه.
[٣٢] ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ، ما فضل الله به غيره ، من الأمور الممكنة ، وغير الممكنة. فلا تتمنى النساء خصائص الرجال ، التي بها فضلهم على النساء ، ولا صاحب الفقر والنقص ، حالة الغنى والكمال ، تمنيا مجردا ، لأن هذا هو الحسد بعينه ، تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك ، ويسلب إياها. ولأنه يقتضي السخط على قدر الله ، والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة ، التي لا يقترن بها عمل ، ولا كسب. وإنما المحمود أمران ، أن يسعى العبد على حسب قدرته ، بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية. ويسأل الله تعالى من فضله. فلا يتكل على نفسه ، ولا على غير ربه. ولهذا قال تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا) أي : من أعمالهم المنتجة للمطلوب. (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) فكل منهم لا يناله ، غير ما كسبه ، وتعب فيه. (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) أي : من جميع مصالحكم في الدين والدنيا. فهذا كمال العبد ، وعنوان سعادته ، لا من يترك العمل ، أو يتكل على نفسه ، غير مفتقر لربه ، أو يجمع بين الأمرين ، فإن هذا مخذول خاسر. وقوله : (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) فيعطي من يعلمه أهلا لذلك ، ويمنع من يعلمه غير مستحق.
[٣٣] أي : (وَلِكُلٍ) من الناس (جَعَلْنا مَوالِيَ) أي : يتولونه ويتولاهم ، بالتعزز والنصرة ، والمعاونة على الأمور. (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) وهذا يشمل سائر الأقارب ، من الأصول والفروع والحواشي. هؤلاء الموالي من القرابة. ثم ذكر نوعا آخر من الموالي فقال : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) أي : حالفتموهم بما عقدتم معهم من عقد المحالفة على النصرة والمساعدة ، والاشتراك بالأموال ، وغير ذلك. وكل هذا من نعم الله على عباده ، حيث كان الموالي يتعاونون بما لا يقدر عليه بعضهم مفردا. قال تعالى : (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) أي : آتوا الموالي نصيبهم ، الذي يجب القيام به ، من النصرة والمعاونة ، والمساعدة ، على غير معصية الله. والميراث للأقارب الأدنين من الموالي. (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) أي : مطلعا على كل شيء ، بعلمه لجميع الأمور ، وبصره لحركات عباده ، وسمعه لجميع أصواتهم.
[٣٤] يخبر تعالى أن (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) أي : قوامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى ، من المحافظة على فرائضه ، وكفهن عن المفاسد ، والرجال عليهم أن يلزموهن بذلك ، وقوامون عليهن أيضا ، بالإنفاق عليهن ،