المقصود فعلها وإظهارها. السادس : أن مزدلفة في الحرم ، كما قيده بالحرام. السابع : أن عرفة في الحل ، كما هو مفهوم التقييد ب «مزدلفة». (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) ، أي : اذكروا الله تعالى ، كما منّ عليكم بالهداية بعد الضلال ، وكما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ، فهذه من أكبر النعم التي يجب شكرها ومقابلتها بذكر المنعم بالقلب واللسان.
[١٩٩] (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ، أي : ثم أفيضوا من مزدلفة ، من حيث أفاض الناس ، من لدن إبراهيم عليهالسلام إلى الآن. والمقصود من هذه الإفاضة ، كان معروفا عندهم ، وهو رمي الجمار ، وذبح الهدايا ، والطواف ، والسعي ، والمبيت ب «منى» ليالي التشريق ، وتكميل باقي المناسك. ولما كانت هذه الإفاضة يقصد بها ما ذكر ، والمذكورات آخر المناسك ، أمر تعالى عند الفراغ منها ، باستغفاره والإكثار من ذكره ، فالاستغفار للخلل الواقع من العبد ، في أداء عبادته وتقصيره فيها ، وذكر الله ، شكر الله على إنعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمنّة الجسيمة.
[٢٠٠] وهكذا ينبغي للعبد ، كلما فرغ من عبادته ، أن يستغفر الله عن التقصير ، ويشكره على التوفيق ، لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة ، ومنّ بها على ربه ، وجعلت له محلا ومنزلة رفيعة ، فهذا حقيق بالمقت ، ورد الفعل ، كما أن الأول حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أخر. ثم أخبر تعالى عن أحوال الخلق ، وأن الجميع يسألونه مطالبهم ، ويستدفعونه ما يضرهم ، ولكن مقاصدهم تختلف ، فمنهم : (مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا) ، أي : يسأله من مطالب الدنيا ما هو من شهواته ، وليس له في الآخرة من نصيب ، لرغبته عنها ، وقصر همته على الدنيا. ومنهم من يدعو الله لمصلحة الدارين ، ويفتقر إليه في مهمات دينه ودنياه. وكل من هؤلاء وهؤلاء لهم نصيب من كسبهم وعملهم ، وسيجازيهم تعالى على حسب أعمالهم ، وهماتهم ونياتهم ، جزاء دائرا بين العدل والفضل ، يحمد عليه أكمل حمد وأتمه. وفي هذه الآية دليل على أن الله يجيب دعوة كل داع ، مسلما أو كافرا أو فاسقا. ولكن ليست إجابته دعاء من دعاه دليلا على محبته له وقربه منه ، إلا في مطالب الآخرة ، ومهمات الدين. والحسنة المطلوبة في الدنيا ، يدخل فيها كل ما يحسن وقعه عند العبد ، من رزق هنيء واسع حلال ، وزوجة صالحة ، وولد تقر به العين ، وراحة ، وعلم نافع ، وعمل صالح ، ونحو ذلك من المطالب المحبوبة والمباحة. وحسنة الآخرة هي السلامة من العقوبات في القبر ، والموقف ، والنار ، وحصول رضا الله ، والفوز بالنعيم المقيم ، والقرب من الرب الرحيم ، فصار هذا الدعاء ، أجمع دعاء وأكمله ، وأولاه بالإيثار ، ولهذا كان النبي صلىاللهعليهوسلم يكثر من الدعاء به ، والحث عليه.
[٢٠٣] (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) ، يأمر تعالى بذكره في الأيام المعدودات ، وهي أيام التشريق الثلاثة بعد العيد ، لمزيتها وشرفها ، وكون بقية المناسك تفعل بها ، ولكون الناس أضيافا لله فيها ، ولهذا حرم صيامها ، فللذكر فيها مزية ، ليست لغيرها ، ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أيام التشريق ، أيام أكل وشرب ، وذكر لله». ويدخل في ذكر الله فيها ، ذكره عند رمي الجمار ، وعند الذبح ، والذكر المقيد عقب الفرائض ، بل قال بعض العلماء : إنه