ولا ينطق إلّا فيما يعنيه ، فبذلك أوتي الحكمة ومنح العصمة.
وأنّ الله تعالى أمر طوائف من الملائكة ـ حين انتصف النهار وهدأت العيون بالقائلة (١) ـ ، فنادوا لقمان من حيث يسمع كلامهم ولا يراهم ، فقالوا : يا لقمان ، هل لك أن يجعلك الله خليفة تحكم بين الناس؟
فقال لقمان : إن أمرني ربّي بذلك فسمعا وطاعة ، لأنّه إن فعل ذلك بي أعانني وأغاثني وعلّمني وعصمني ، وإن هو عزوجل خيّرني قبلت العافية.
فقالت الملائكة : ولم يا لقمان؟ قال : لأنّ الحكم بين الناس أشدّ المنازل من الدين وأكثر فتنا وبلاءا ، يخذل صاحبه ولا يعان ، ويغشاه الظلم من كلّ مكان ، وصاحبه منه بين أمرين : إن أصاب فيه الحقّ فبالحري أن يسلم وإن أخطأ أخطأ طريق الجنّة ، ومن يكن في الدنيا ذليلا وضيعا بين الناس لا يعرف ، كان أهون عليه في المعاد وأقرب من أن يكون فيها حاكما سريّا (٢) جليلا ، ومن اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما ، تزول عنه هذه ولا يدرك تلك.
قال : فعجبت الملائكة من حكمته واستحسن الرحمن منطقه ، فلمّا أمسى وأخذ مضجعه من الليل أنزل الله عليه الحكمة فغشّاه بها ، فاستيقظ وهو أحكم أهل الأرض في زمانه على الناس ، ينطق بالحكمة ويبثّها فيهم ، وأمر الملائكة فنادت داود بالخلافة في الأرض فقبلها ، وكان لقمان يكثر زيارة داود عليهماالسلام وكان داود يقول : يا لقمان ، أوتيت الحكمة وصرفت عنك البليّة (٣).
__________________
(١) أي : النوم عند نصف النهار.
(٢) السريّ : الشريف.
(٣) رواه القمّيّ في تفسيره ٢ : ١٦٢ ـ ١٦٣ بتفاوت مع زيادة بعض المقاطع : عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد .. إلى آخر السند في المتن وعنه في بحار الأنوار ١٣ : ٤٠٩ / ٢ ومستدرك الوسائل ١١ : ١٨٥ / ٩.