وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا
____________________________________
[١٩](وَ) قد كان من قصة قوم سبأ ، قبل أن يكفروا النعم ، أن (جَعَلْنا بَيْنَهُمْ) أي بين بلادهم في اليمن (وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا) أي الشام التي باركنا (فِيها) مبعث الأنبياء عليهمالسلام ، وطيب الهواء وكثرة الزراعة والفواكه (قُرىً ظاهِرَةً) أي متظاهرة متواصلة في عرض الطريق ، فقد كان متجرهم من أرض اليمن إلى الشام ، وكانوا يبيتون بقرية ، ويقيلون بأخرى ، حتى يرجعوا في أمن ودعة وسلام ، وكانوا لا يحتاجون إلى زاد من وادي سبأ إلى الشام ، وكانت القرية ترى من القرية التي قبلها لظهور بعضها على بعض وقرب أحدها من الأخرى (وَقَدَّرْنا فِيهَا) أي في تلك القرى (السَّيْرَ) أي جعلناه مقدرا ممكنا للأمن والسلامة ، وسهولة الطريق ، أو المعنى كان بين كل قرية وقرية بقدر مسير نصف يوم ، وقلنا لهم (سِيرُوا فِيها) أي في هذه الطريق أو في تلك القرى (لَيالِيَ وَأَيَّاماً) فلا خوف ، ولا صعوبة سواء سرتم ليلا أو نهارا (آمِنِينَ) من كل خطر ونصب ، وجوع وعطش.
[٢٠] ولكنهم لم يشكروا هذه النعم العظيمة ، ولم يسمعوا كلام الله وأوامره ، بل بغوا وبطروا (فَقالُوا) يا (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) فقد مللنا من الأسفار القصيرة بين القرى المتقاربة التي لا يرى فيها الصحراء ، ولا نتمكن من ركوب الرواحل ، وتجهيز القوافل ، فإنا نريد الصحاري القاحلة «لنلتذ لذة السفر» ، وهذا كما بطرت اليهود النعمة فقالوا : (يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها