أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما
____________________________________
وطمأنينتهم في ذلك ، فيعتبر ويتعلم ما يغلب به نفسه ، ويجاهد به هواه ، ويحترز به من الشيطان ، وكان يداوي قلبه بالتفكر ، ويداوي نفسه بالعبر ، وكان لا يصغي إلا فيما ينفعه ، ولا ينظر إلا فيما يعنيه ، فبذلك أوتي الحكمة ، ومنح العصمة ـ أي الاعتصام من الزلل ـ وإن الله تبارك وتعالى ، أمر طوائف من الملائكة ، حين انتصف النهار ، وهدأت العيون بالقائلة ، فنادوا لقمان حيث يسمع ، ولا يراهم ، فقالوا : يا لقمان ، هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض ، تحكم بين الناس؟ فقال لقمان : إن أمرني ربي بذلك ، فالسمع والطاعة ، لأنه إن فعل بي ذلك ، أعانني عليه ، وعلّمني وعصمني ، وإن هو خيّرني قبلت العافية ، فقالت الملائكة : يا لقمان لم قلت ذلك ، قال : لأن الحكم بين الناس بأشد المنازل من الدين ، وأكثر فتنا وبلاء ما يخذل ، ولا يعان ، ويغشاه الظلم من كل مكان ، وصاحبه منه بين أمرين ، إن أصاب فيه الحق ، فبالحري أن يسلم ، وإن أخطأ أخطأه طريق الجنة ، ومن يكن في الدنيا ذليلا ضعيفا كان أهون عليه في المعاد ، من أن يكون فيها حكما سريا شريفا ، ومن اختار الدنيا على تلك الآخرة يخسرهما كلتيهما ، تزول هذه ، ولا يدرك تلك ، قال : فعجبت الملائكة من حكمته ، واستحسن الرحمن منطقه ، فلما أمسى ، وأخذ مضجعه من الليل ، أنزل الله عليه الحكمة ، فغشاه بها من قرنه ، إلى قدمه ، وهو نائم ، وغطاه بالحكمة غطاء فاستيقظ ، وهو أحكم الناس في زمانه ، وخرج على الناس ، ينطق بالحكمة ويبثها فيهم (١) ، وقلنا له (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) فيما أعطاك ، والشكر هو صرف النعمة ، فيما أمر الله سبحانه (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ١٣ ص ٤٠٩ ـ ٤١١.