ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ
____________________________________
الكون ، كما نشاهد أن الزرع والجنين وغيرهما بحاجة إلى زمان حتى وقت الإكمال (ثُمَّ اسْتَوى) أي استولى (عَلَى الْعَرْشِ) بمعنى الإحاطة على الكون ، وهذا كما يقال : بنى الملك المدينة ثم استقر على السرير ، يراد أنه أحاط بالسلطة ، لا أن هناك سريرا جلس عليه ، والإتيان ب «ثم» مع أن الاستيلاء كان من الأول ، من باب تشبيه المعقول بالمحسوس ، وكأن الإتيان بهذا الكلام لإفادة أن مثل هذا الإله يلزم التوكل عليه ، فإنه لا يخيب من فوض أمره إليه (الرَّحْمنُ) قالوا : بأنه خبر ، ل «الذي» أي أنه هو الرحمن الذي يتفضل بالرحم على كل شيء فما أجدر بالإنسان أن يكل أموره إليه (فَسْئَلْ) يا رسول الله (بِهِ) أي بواسطته (خَبِيراً) والمعنى إن تسأله عن شيء فإنه خبير بذلك الشيء ، وهذا كناية عن أنه عالم بكل شيء فإخباره عن أي شيء كان ، مطابق للواقع ، وقد ذكر أهل الأدب إن من البلاغة أن يتوهم الإنسان شيئا على وصفين ، وصف الأصالة ووصف التوسط ، ثم يقصد الأصيل بواسطة المتوسط ، كما يقال : شربت به ماء ، والضمير للماء ، أو قتلت به كافرا ، أو وجدت به عالما متحدثا ، وهكذا ، وهذه الجملة لإفادة إن أخباره في أصل الخلقة هو الحق.
[٦١](وَ) بعد هذه الآيات الكونية ، والإلفاتات الجمّة (إِذا قِيلَ لَهُمُ) أي للكفّار (اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ) واخضعوا له ، فإنه الخالق الراحم (قالُوا) على طريق الكبر والاستعلاء (وَمَا الرَّحْمنُ) وقد أتوا بلفظ «ما» الذي هو لما لا يعقل استهزاء ، فقد كانوا لا يعترفون بهذا «اللفظ» من جملة