رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً
____________________________________
أسواقها بثمرات الجزيرة ، وثمرات الشام واليمن ، التي كانت ثمارها أيضا تجبى ـ بدورها ـ من الهند والصين والروم وغيرها (رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) نرزق به أهل مكة (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أنا قدّرنا لهم هذا التقدير بأن جعلنا محلهم أمنا ، ورزقهم وفرا. فإذا آمنوا كانوا أحق بذلك ، وقد صدق الله سبحانه ، فقد دل التاريخ ـ والذي نشاهده الآن ـ إن أهل مكة منذ أن آمنوا قويت مكانتهم أكثر وصار الأمن والرزق فيهم أوفر.
[٥٩] أما إن بقوا على هذه الحالة ففي ذلك الوقت يختطفون بالهلاك والعذاب ، وتقل أرزاقهم ، كما كان كذلك القرى التي لم تؤمن ، وانحرفت عن جادة الصواب (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) أي أهل قرية ، بعلاقة الحالة والمحل ، ولأن إهلاك الأهل مستلزم لإهلاك نفس القرية بخرابها (بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) البطر هو الطغيان عند النعمة ، أي طغت في المعيشة ، فالمعيشة منصوبة بنزع الخفض والمعنى أعطيناهم المعيشة الواسعة ، فجرتهم تلك إلى أن يكفروا من باب (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (١) (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ) التي يمر عليها المارة في طرف الشام ، وطرف اليمن ، كأراضي لوط ، وشعيب ، وصالح (لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً) فقد انقرضوا بالهلاك ، وباءت قراهم بالخراب ، فلم يسكن في بلادهم إلا نفر قليل من الناس الذين جاءوا من بعدهم
__________________
(١) العلق : ٧ و ٨.