[م / ٨٤] أخرج أبو عبيد عن عبد الله بن عمر ، قال : لا يقولنّ أحدكم : قد أخذت القرآن كلّه ، ما يدريه ما كلّه؟ قد ذهب منه قرآن كثير. ولكن ليقل : قد أخذت منه ما ظهر (١).
أو لعلّ ذهنيّة ابن عمر كانت متأثّرة بما اشتهر من ذهاب القرآن بذهاب حملته يوم اليمامة.
[م / ٨٥] كما روى ابن أبي داوود عن ابن شهاب ، قال : بلغنا أنّه كان أنزل قرآن كثير ، فقتل علماؤه يوم اليمامة ، الذين كانوا قد وعوه ، ولم يعلم بعدهم ولم يكتب (٢).
أو هل كان القرآن محصورا في صدور أولئك الرجال ، ومن هم؟
[م / ٨٦] وأخرج مسلم بإسناده عن أبي الأسود قال : بعث أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن ، فقال فيما قال : وإنّا كنّا نقرأ سورة كنّا نشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها ، غير أنّي قد حفظت منها : «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب».
وقال : كنّا نقرأ سورة كنّا نشبّهها بإحدى المسبّحات فأنسيتها ، غير أنّي حفظت منها : «يا أيّها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. فتكتب شهادة في أعناقكم ، فتسألون عنها يوم القيامة» (٣).
كان أبو موسى معروفا بالسفه والشذوذ العقليّ وهكذا أساء الظنّ بالقرآن الكريم فوهم سقطا في القرآن كان بانحصاره ليذهب بنسيانه فحسب ، ومن ثمّ نتساءل : كيف يذهب القرآن بنسيان عجوز مفرّق الوهم؟!
أمّا حديث الواديين فقد روى أحمد بإسناده إلى عطاء بن يسار عن أبي واقد ، أنّه من الحديث القدسي رواه عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وليس من القرآن (٤).
فقد وهم أبو موسى وخلط بين الحديث القدسي والقرآن!
إلى غيرها من روايات تنسب حسبان السقط من القرآن ، إلى بعض السلف ، ولعلّها وهم من الرواة. غير أنّ الفاجعة هي ثبتها في أمّهات المجاميع الحديثيّة الكبرى ، ليغترّ بها أمثال ابن الخطيب (محمّد محمّد عبد اللطيف من كتّاب مصر المعاصرين) فيدبّج كتابه «الفرقان» بأقاصيص هي أشبه
__________________
(١) الإتقان ٣ : ٧٢. عن كتاب فضائل القرآن : ١٩٠ / ١ ، باب ٥١.
(٢) كنز العمّال ٢ : ٥٨٤ / ٤٧٧٨.
(٣) مسلم ٣ : ١٠٠.
(٤) مسند أحمد ٥ : ٢١٩.