ألا ترى أنّك إذا أردت أن تلقي على الحاسب أجناسا مختلفة ، ليرفع حسبانها ، كيف تصنع؟ وكيف تلقيها أغفالا من سمة الإعراب! فتقول : دار. غلام. جارية. ثوب. بساط. ولو أعربت ركبت شططا.
قال : ثمّ إنّي عثرت من جانب الخليل على نصّ في ذلك. قال سيبويه : قال الخليل يوما ـ وسأل أصحابه ـ : كيف تقولون ، إذا أردتم أن تلفظوا بالكاف ، التي في «لك». والباء التي في «ضرب»؟ فقيل : نقول : باء. كاف. فقال : إنّما جئتم بالإسم ، ولم تلفظوا بالحرف ، وقال : أقول : كه ، به.
قال : فإن قلت : من أيّ قبيل هي من الأسماء ، أمعربة أم مبنيّة؟ قلت : بل هي أسماء معربة ، وإنّما سكنت سكون «زيد» و «عمرو» وغيرهما من الأسماء حيث لا يمسّها إعراب ، لفقد مقتضيه وموجبه (١).
واستدلّ الإمام الرازي بأنّ هذا الحكم (أي العراء من حركات الإعراب) جار في كلّ اسم عمدت إلى تأدية مسمّاه فحسب ، لأنّ جوهر اللفظ موضوع لجوهر المعنى ، وحركات اللفظ (الإعرابيّة) دالّة على أحوال المعنى ، فإذا أريد إفادة جوهر المعنى فحسب ، وجب إخلاء اللفظ عن الحركات (٢).
الحروف المقطّعة في مختلف الآراء
اختلفت الأنظار عن الحروف المقطّعة في أوائل السور ، وربما بلغت عشرين قولا أو تزيد ، حسبما أحصاه الإمام الرازي في تفسيره الكبير. سوى أنّ الاتجاهات الرئيسيّة التي سلكتها تلكم الأقوال تعتمد على المباني الثلاثة التالية :
١ ـ اعتقاد أنها من المتشابه المجهول تماما ، علم مستور ، وسرّ محجوب ، استأثر الله به.
[م / ١٩٠] فقد حكي عن الشعبي أنّه قال : نؤمن بظاهرها ونكل العلم فيها إلى الله (٣).
وقد أنكر أهل الكلام هذا الاعتقاد لو اريد به الجهل مطلقا ، حتّى على مثل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وسائر امناء الوحي. إذ كيف يرد في الكتاب المبين ما يكاد يخفى على الخافقين. وقد قال تعالى :
__________________
(١) الكشاف ١ : ١٩ ـ ٢١.
(٢) التفسير الكبير ٢ : ٢.
(٣) البرهان ١ : ١٧٣.