ما ورد بشأن أسباب النزول
كانت لمعرفة أسباب النزول قيمتها الأغلى في سبيل فهم معاني القرآن الكريم ، حسبما فصّلنا الكلام فيه (١). غير أنّ الذي يجدر التنبّه له ـ هنا ـ أنّ الطابع الغالب على المأثور في هذا الباب هو الضعف والجهالة والإرسال ، فضلا عن الوضع والدسّ والتزوير.
قال الإمام بدر الدين الزركشي : يجب الحذر من الضعيف فيه والموضوع فإنّه كثير. قال الميموني : سمعت الإمام أحمد بن حنبل يقول : ثلاث ليس لها اصول ـ أولا أصل لها ـ : المغازي والملاحم والتفسير. أي لا أصل معتمدا عليه. قال المحقّقون من أصحابه : يعنى أنّ الغالب ، أنّها ليس لها أسانيد صحاح متّصلة الإسناد. وإلّا فقد صحّ من ذلك كثير (٢).
قال جلال الدين السيوطي : الذي صحّ من ذلك قليل جدّا ، بل أصل المرفوع منه (أي المتّصل الإسناد إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم) في غاية القلّة (٣).
وقد نقم على الواحدي في إخراجه أحاديث في أسباب النزول ، أكثرها ضعاف أو في أسانيدها مجاهيل أو هي أباطيل. ومن ثمّ عمد هو إلى تأليف أخصر وأجمع وأسدّ ، أسماه «لباب النقول» وحسبه يمتاز على تأليف الواحدي بأمور : أحدها ، الاختصار. ثانيها : الجمع الكثير ممّا تفلّت عن الواحدي. ثالثها : إسناد كلّ حديث إلى مخرّجه من الكتب المعتبرة. أمّا الواحدي فتارة يورد الحديث بإسناده ، وفيه مع التطويل عدم العلم بمخرج الحديث. وتارة يورده مقطوعا. رابعها : تمييز الصحيح من غيره والمقبول من المردود. خامسها : الجمع بين الروايات المتعارضة. سادسها : تنحية ما ليس من أسباب النزول.
ذكر ذلك في المقدمة. وهل وفى بما وعد أو استطاع الإيفاء بما صال وجال؟
إنّ المراجع لهذا التأليف ـ مع امتيازاته الستّة ـ ليجد فيه الغثّ ما يغلب على السمين. وفيه ما يخالف العقل السليم.
[م / ١٨٤] روى من طريق البيهقي عن أبي هريرة : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقف على حمزة حين استشهد بأحد ، وقد مثّل به ، فقال : لأمثّلنّ بسبعين منهم مكانك!! فنزل جبرائيل بقوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ
__________________
(١) راجع : التمهيد ١ : ٢٥٣ ـ ٢٧٦.
(٢) البرهان ٢ : ١٥٦.
(٣) الإتقان ٤ : ١٨١.