المتعمّقين من أهل الدقّة والنظر (١).
إذن أصبح القرآن في إفاداته موجّها خطابه نحو العموم ، ومراعيا جانب اختلاف المستويات ، بشكل بلاغيّ بديع ، وقد استوفينا الكلام فيه عند البحث عن منهج القرآن في الإفادة والبيان (٢) ، ولدى الكلام عن إعجازه البياني البليغ. (٣).
صياغة القرآن
صياغة القرآن هي صناعة الوحي ، لا يد لغيره في صياغته ، لا في نضد ألفاظه ولا في نظم معانيه ، فكان لفظا ومعنى هو صنيع الوحي المباشر ، لا غير.
ذلك أنّه كلام الله ـ بصريح القرآن (٤) ـ ولا ينسب كلام إلى أحد حتّى يكون هو ناظمه ومؤلّفه في صياغة كلام. (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى)(٥).
على أنّه مما قرأه الله على النبيّ (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)(٦). والقراءة وكذا التلاوة إنّما تنصبّ على الكلام المنتظم ، لا مجرّد إلقاء المعاني.
كما أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقرأ القرآن ويتلوه على أصحابه ، ولا قراءة ولا تلاوة إلّا فيما يحكيه من لفظ وعبارة ، لا مجرّد بيان المعاني ، ليكون اللفظ له ، وإلّا كان كلاما له يتكلّم به ، حكاية للمعاني فحسب.
وفي كثير من تعابير القرآن دلالة واضحة على أنّه من صنيع الوحي ليس غير ، فهناك لفظة «قل» وردت صدر آيات ، ولا يحسن إذا كان من إنشاء النبيّ ومن صياغته. إذ كان يجب عليه حينذاك أن يقول : أمرني ربّي أن أقول.
وهناك الكثير من العتاب والخطاب ، موجّه إلى النبيّ بصيغة خطاب (٧) ، فلو كان من إنشائه ،
__________________
(١) جامع الأخبار : ١١٦ / ٢١١ ـ ١٥.
(٢) راجع : التمهيد ٩ : ٨٥ ـ ٩٨.
(٣) راجع : التمهيد ٥ : ٤٠٧ ـ ٤٢٣.
(٤) (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) (التوبة ٩ : ٦). وفي الحديث : «ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي». (أمالي الصدوق : ٥٥ / ٣ ـ ١٠ ، المجلس الثاني).
(٥) الأعلى ٨٧ : ٦.
(٦) القيامة ٧٥ : ١٧ ـ ١٨.
(٧) منها قوله تعالى : طه ، (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) (طه ٢٠ : ١ ـ ٢) وقوله : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) (الشورى ٤٢ : ١٧).