شرط الأخذ بالسياق
إن كان الأخذ بالسياق ممّا يعود إلى السياق العامّ في جملة آيات القرآن ، فهذا ممّا لا شرط له سوى إحراز وحدة الاتّجاه بين الآيتين : المجملة والمبيّنة. لتصلح إحداهما بيانا للأخرى ، نظرا لوحدة الاتّجاه. وهكذا في الأخذ بسياق السورة ، نظرا للوحدة الموضوعيّة ، السائدة على مجموعة آيات كلّ سورة ، كما نبّهنا.
إنّما الكلام في الأخذ بسياق آية أو مجموعة آيات نزلن معا وفي مقطع واحد ، فهذا يشترط فيه أوّلا : تعاقب نزول جملاتها ـ في آية واحدة ـ وتتابع نزول آيات هي متراصّة في تلك المجموعة فلا بدّ من إحراز ذاك التعاقب وهذا التتابع في النزول.
وثانيا : وحدة موضوعيّة سائدة على تلك الجمل أو الآيات التي هي متراصّة جنبا إلى جنب. وعليه فلو كان هناك تفكّك في ترتيب النزول أو في الموضوع ، فلا موضع للاستناد إلى السياق ، بعد الاختلاف في الاتّجاه ، الأمر الذي تغافله كثير من الباحثين.
مثلا ما ورد بشأن عدد المقاتلين ـ فيما إذا بلغوه وجب عليهم النضال ـ جاء أوّلا : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ)(١). واحد تجاه عشرة.
ثمّ نسخ بواحد تجاه اثنين : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ)(٢).
أنكر سيدنا الأستاذ الإمام الخوئي ـ طاب ثراه ـ وقوع نسخ بين الآيتين ، بحجّة عدم فصل بينهما نزولا ، ولشهادة السياق بنزولهما دفعة.
قال : إنّ القول بالنسخ يتوقّف على إثبات الفصل بين الآيتين نزولا ، وإثبات أنّ الثانية نزلت بعد العمل بالأولى ، لئلّا يلزم النسخ قبل حضور وقت الحاجة ، وإلّا كان التشريع الأوّل لغوا. قال : أضف إلى ذلك أنّ سياق الآيتين أصدق شاهد على أنّهما نزلتا مرّة واحدة.
ونتيجة على ذلك ، ذهب إلى إحكام الآية الأولى وأنّ الحكم فيها استحبابيّ (٣).
لكنّه ـ طاب ثراه ـ لم يذكر سند استظهاره الأخير ، وكيف أنّ السياق يدلّ على اتصال نزولهما معا من غير فصل زمنيّ؟!
__________________
(١) (١ و ٢) الأنفال ٨ : ٦٥ ـ ٦٦.
(٢) (١ و ٢) الأنفال ٨ : ٦٥ ـ ٦٦.
(٣) راجع : البيان : ٣٧٥ ـ ٣٧٦.