ولا شكّ أنّ المأثور عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم تفسيرا وتبيينا وتفصيلا لمجملات القرآن ، حجّة بيّنة ، سواء المأثور على يد عترته الطاهرة ـ وهو الأكثر ـ أم على يد أصحابه وسائر أمّته ، وكانت البذرة الأولى لتلك الشجرة الطيّبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كلّ حين.
التفسير في دور الصحابة
وكان كبار الصحابة من بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم هم حملوا هذا العبأ الثمين الفخيم ، فنشروا لواء الإسلام على أرجاء الآفاق ، وأدّوا رسالة الله إلى العالمين عن كلّ جدّ وجهد بالغين.
نعم كانوا على تفاوت من المقدرة على الإيفاء والأداء.
[م / ٨٨] قال مسروق بن الأجدع : جالست أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فوجدتهم كالإخاذ ـ يعنى الغدير من الماء ـ فالإخاذ يروى الرجل ، والإخاذ يروى الرجلين ، والإخاذ يروى العشرة ، والإخاذ يروى المأة. والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم ـ يعنى به الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام (١).
وقد اشتهر بالتفسير من الصحابة أربعة لا خامس لهم في مثل مقامهم في العلم بمعاني القرآن ، وهم : علي بن أبي طالب عليهالسلام وكان رأسا وأعلم الأربعة. وعبد الله بن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وعبد الله بن عبّاس ، كان أصغرهم وأكثرهم نشرا في التفسير. وامتاز بتلمذته لدى الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام كان يقول : جلّ ما تعلّمت من التفسير من عليّ بن أبي طالب عليهالسلام (٢).
تفسير الصحابي في مجال الاعتبار
ولتفسير الصحابي قيمته الأغلى في مجال الاعتبار العلمي والعملي ، حيث هم أبواب علم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والطرق الموصلة إليه ، وقد ربّاهم وعلّمهم وفقّههم ليكونوا وسائط بينه وبين الناس ، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم. فكانوا لا يصدرون الناس إلّا عن مصدر الوحي الأمين ، ولا ينطقون إلّا عن لسانه الناطق بالحقّ المبين.
نعم كان الشرط في الحجيّة والاعتبار أوّلا : صحّة الإسناد إلهيم ، وثانيا : كونهم من الطراز الأعلى. وإذ قد ثبت الشرطان ، فلا محيص عن جواز الأخذ وصحّة الاعتماد ، وهذا لا شكّ فيه بعد
__________________
(١) راجع : المصدر : ١٨١.
(٢) المصدر : ١٨٧ ؛ المحرّر الوجيز لابن عطيّة ١ : ٤١ ؛ بحار الأنوار ٨٩ : ١٠٥ ، عن ابن طاووس عن تفسير النقاش.