وقد شرحنا هذا الجانب من تفسير الآية ، في مباحثنا عن الإعجاز العلمي في القرآن (١).
***
وكذا لكلّ سورة سياقها الخاصّ يشي بموضعها من النزول ، كان في أوائل البعثة أو بعدها وقبل الهجرة أو بعدها ، أيّام كان المسلمون في ضعف أو في قوّة وشوكة ، مهدّدا في جوّ حالك أم مشرّعا في جوّ وادع هادئ. وبذلك قد يتبيّن وجه دلالة الآية ـ في كنف السياق ـ : أنّه تكليف أو إرشاد ، تبشير أو إنذار. وما إلى ذلك من ظروف وشرائط تكتنف الآية والتي يهتمّ بها أهل النظر والتحقيق.
مثلا : قوله تعالى ـ موبّخا للمشركين ـ : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ)(٢) ، توبيخ لاذع لأولئك المشركين الذين لا يقومون بفريضة الزكاة.
استدلّ بعض الفقهاء بهذه الآية ، دليلا على أنّ الكفّار مكلّفون ـ شرعا ـ بالفروع ، كما هم مكلّفون ـ عقلا ـ بالأصول.
وردّ عليهم سيدنا الأستاذ (٣) الإمام الخوئي ـ طاب ثراه ـ بأنّ الآية في سياق سورة مكّيّة ، ولعلّها قبل الهجرة بمدّة ـ إذا لاحظنا أنّ مجموعة السور التي نزلت بمكة هي ٨٦ سورة ، وكان رقم نزول هذه السورة ٦١.
أمّا وجه التوبيخ أو العتاب فلأنّهم خسروا بأنفسهم عن الاستضاءة بنور الإسلام ، ومن جملتها : حرمانهم عن فرائض واجبة ، هي زكاة النفس وتطهيرها ، حرموا عنها بسبب لجاجهم عن الحقّ الصريح. فكان التوبيخ على ترك الإسلام الذي استعقب ترك فرائضها القيّمة وليس توبيخا على ترك الزكاة ، توبيخا مباشرا.
على أنّ الزكاة فرضت بعد الهجرة إلى المدينة ، ولم تكن فرضت في مكّة حتّى على المسلمين ، أللهمّ سوى الإنفاق في سبيل الله ، وقد أطلق عليه الزكاة بمفهومها العامّ.
***
أمّا السياق في آية أو آيات فكثير للغاية ، وبذلك قد يتعيّن معنى للفظ ، حسب اتّجاه الآية وسياقها.
__________________
(١) التمهيد ٦ : ١٢٩ ـ ١٣٨.
(٢) فصّلت ٤١ : ٦ ـ ٧.
(٣) في جلسة الدرس في النجف الأشرف.