تدلّ على أنّه واحد ولا مساس لإحداها بالأخرى فلا تفريع هناك.
قال المجلسيّ العظيم (١) : هذا الذي ذكروه خلاف ما أثر عن مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام حيث قوله في خلق العالم :
[م / ٧٨] «ثمّ أنشأ سبحانه فتق الأجواء ، وشقّ الأرجاء ، وسكائك الهواء ـ إلى قوله ـ : ثمّ فتق ما بين السماوات العلى ، فملأهنّ أطوارا من ملائكته» (٢).
[م / ٧٩] وقال ـ في عجيب صنعته ـ : ففتقها سبع سماوات بعد ارتتاقها (٣).
وهذا المعنى هو الذي جاءت الإشارة إليه في آية أخرى في سياقتها ، قال تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ. فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ)(٤).
فالدخان ـ وهي المادّة الأولى لخلق السماوات ـ هو الأصل ، ومنه تفرّعت السماوات العلى وظهرت إلى الوجود. قوله : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) يدلّ على سبق مادّتهنّ على وجودهنّ ، فأفاض عليهنّ الصور المائزة بينهنّ. ويدلّ عليه أيضا قوله في سورة النازعات : (رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها)(٥). سوّاهنّ برفع سمكهنّ ، كناية عن تمدّد وتمطّط في جوانبها ، لتأخذ شكلها الخاصّ.
ونظرة تفرّع الموجودات من أصل واحد ، فتقا بعد رتق ، نظرة قديمة ، حدّث بها التوراة في أصل التكوين أيضا. قال الإمام الرازيّ ـ في تأويل قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٦) ـ : كانت اليهود والنصارى ومن يليهم من المشركين عالمين بذلك ، فإنّه جاء في التوراة : «إنّ الله تعالى خلق جوهرة ، ثمّ نظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء ، ثمّ خلق السماوات والأرض منها وفتق بينها» (٧).
وتقول النظرة الحديثة : إنّ الكون في أصله سديم ، جمعه سدم (٨). والسديم يشبه سحابة من غاز وغبار ، وأصحّ تعبير عنه ما جاء في القرآن : الدخان : كتلة غازيّة هائلة ، كانت النجوم والكواكب وسائر الأجرام العلويّة إنّما وجدت على أثر تكاثف تلك الغازات والغبارات الموجودة في الفضاء.
__________________
(١) مرآة العقول : ٢٥ : ٢٣٢.
(٢) نهج البلاغة ١ : ١٧ ـ ١٩ ، الخطبة ١.
(٣) المصدر ٢ : ١٩١ ، الخطبة ٢١١.
(٤) فصّلت ٤١ : ١١ ـ ١٢.
(٥) النازعات ٧٩ : ٢٨.
(٦) الأنبياء ٢١ : ٣٠.
(٧) التفسير الكبير ٢٢ : ١٦٢. والنسخ الموجودة من التوراة حاليّا فاقدة لهذه العبارة ، ولعلّها ذهبت أدراج سلسلة التحريف ، التي كانت مستمرّة ولا تزال.
(٨) والسديم : أصله الضباب أو الرقيق منه. واستعير للمادّة الغازيّة الغباريّة التي تكوّنت منها الأجرام السماويّة. ويطلق عليها اسم «الأثير» في مصطلح العلم القديم وسمّي بالعنصر الخامس غير الخاضع للكون والفساد ، كما في سائر العناصر الأربعة في مصطلحهم.