تعالى ، والذي يلزمه التعبّد بعمل قربيّ ، فيكون لازمه لا نفسه. والتفسير باللازم شائع كثير.
وهكذا تفسير ابن عبّاس ومجاهد «إلاهتك» بالعبادة إن صحّ ، فهو تفسير باللازم. نظرا لأنّ المعنى في الحقيقة : ويذرك وألوهيّتك التي تدّعيها ، حيث قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى)(١) ، فقد كان يدّعي الألوهيّة بمعنى الربوبيّة ، أي المالك المتصرّف في شؤون المربوبين ، ولم يعهد أنّه دعى الناس إلى عبادته ، ولا ثبت أنّهم عبدوه كما يعبدون الأصنام. فلا موضع لقول القائل : وفرعون كان يعبد ولا يعبد! ولم يصحّ استناده إلى مثل ابن عبّاس العربيّ الصميم وكذا تلميذه الذكيّ مجاهد بن جبر!
لم يكن من فرعون سوى دعوى الألوهيّة (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي)(٢). وأنّه يتولّى هدايتهم إلى حيث الرشاد (ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ)(٣). نعم إنّه كان قد استخفّ قومه فأطاعوه (٤). أمّا العبادة والعبوديّة بمعناها الخاصّ فلم يعهد ذكره في القرآن أو غيره من كتاب.
***
(الرَّحْمنِ) و (الرَّحِيمِ) وصفان من أبرز صفاته تعالى ، ليكون الأوّل مظهر رحمته الواسعة (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ)(٥). (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)(٦). والثاني دليل على عنايته الخاصّة بعباده المؤمنين (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ)(٧). (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً)(٨).
والرحمان ، فعلان دلّ على مبالغة في سعة رحمته تعالى ، سعة لا يحتملها سوى ذاته المقدّسة فلا يوصف به غيره تعالى. والرحيم ، دلّ على رأفة وعناية خاصّة ، يوصف به كلّ ذي رأفة وشفقة بالناس ، ومن ثمّ يوصف به النبيّ الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم لمكان شفقته بالمؤمنين (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)(٩).
[١ / ٣١٧] قال الإمام الصادق عليهالسلام : «الرحمان ، اسم خاصّ بصفة عامّة. والرحيم ، اسم عامّ بصفة خاصّة» (١٠).
[١ / ٣١٨] وفي حديث آخر : «قلت : الرحمان؟ قال : بجميع العالم. قلت : الرحيم؟ قال :
__________________
(١) النازعات ٧٩ : ٢٤.
(٢) القصص ٢٨ : ٣٨.
(٣) المؤمن ٤٠ : ٢٩.
(٤) من الآية ٥٤ سورة الزخرف ٤٣.
(٥) الأنعام ٦ : ١٤٧.
(٦) الأعراف ٧ : ١٥٦.
(٧) الأعراف ٧ : ١٥٦.
(٨) الأحزاب ٣٣ : ٤٣.
(٩) التوبة ١٠ : ١٢٨.
(١٠) الصافي ١ : ١٢١.