ما لم يعلها أثر وهن يوجب التريّث لديه ، كما إذا كان الآتي بالخبر معروفا بالفسق ، وقد قال تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)(١). وهذا التخصيص دليل على الترخيص فيما عداه.
وإليك موارد سلكها الشيخ بهذا النهج القويم في تقييم الأخبار وتمييز سليم الروايات عن سقيمها أو الترجيح مع محكمات الآثار :
[م / ٣٣٢] روى بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إنّ الله عزوجل خلق الدنيا في ستّة أيّام ، ثمّ اختزلها من أيّام السنة ، والسنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما. شعبان لا يتمّ أبدا. وشهر رمضان لا ينقص والله أبدا ، ولا تكون فريضة ناقصة ، إنّ الله تعالى يقول : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ)(٢). وشوّال تسعة وعشرون يوما. وذو القعدة ثلاثون يوما ، لقول الله عزوجل : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)(٣). وذو الحجّة تسعة وعشرون يوما. والمحرّم ثلاثون يوما. ثمّ الشهور بعد ذلك شهر تامّ وشهر ناقص!؟ (٤)
هذا الخبر ـ على إرساله ـ موهون بمخالفة الواقع ، وفيها تعاليل غريبة جدّا.
ونظيرها أحاديث أخر نصّت على أنّ شهر الصيام لا ينقص أبدا.
لكنّ الشيخ رحمهالله رفضها رفضا باتّا ، بحجّة أنّها مخالفة للكتاب ومتواتر الأخبار ، فضلا عن وهن محتواها من تعاليل غريبة ، توهن جانب انتسابها إلى إمام هدى معصوم عليهالسلام وأخذ في الاستدلال على نكارتها من وجوه ، في عدّة صفحات (٥).
[م / ٣٣٣] وروى بإسناده إلى محمّد بن قيس عن الإمام أبي جعفر عليهالسلام قال : «قضى أمير المؤمنين عليهالسلام في وليد أمة سبّ رجلا : أن لا حدّ عليه ، وقال للخصم : سبّه كما سبّك أو تعفو عنه».
قال الشيخ : هذا الخبر ضعيف مخالف لما قدّمناه من الأخبار الصحيحة ، ولظاهر القرآن ، فلا ينبغي أن يعمل عليه. على أنّ فيه ما يضعّفه ، وهو : أنّ أمير المؤمنين أمر الخصم أن يسبّ خصمه كما سبّه ، ولا يجوز أن يأمر عليهالسلام بالسّبّ ، لأنّ السّبّ قبيح ، وإنّما له أن يقيم عليه الحدّ إمّا على الكمال أو التعزير. فأمّا أن يأمره بالسباب فذلك مما لا يجوز على حال (٦).
__________________
(١) الحجرات ٤٩ : ٦.
(٢) البقرة ٢ : ١٨٥.
(٣) الأعراف ٧ : ١٤٢.
(٤) الاستبصار ٢ : ٦٨ / ٢١٨ ـ ٢٠.
(٥) المصدر : ٦٩ ـ ٧١.
(٦) تلفيق ممّا ذكره في كتابيه : التهذيب ١٠ : ٨٨ / ٣٤٢ ـ ١٠٧ ؛ الاستبصار ٤ : ٢٣٠ ـ ٢٣١ / ٨٦٧ ـ ١٥.