آت فجعل يحثو من الطعام (١) ، فأخذته وقلت : لأرفعنّك إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إنّي محتاج وعليّ عيال ولي حاجة شديدة قال : فخلّيت سبيله. فلمّا أصبحت ، قال لي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت : شكا حاجة شديدة فرحمته. قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أما إنّه قد وكذلك وسيعود. فرصدته فجاء مثل البارحة. لكنّه شكا حاجته فخلّيت عنه أيضا. فقال لي النبيّ صلّى الّله عليه وآله وسلّم حين أصبحت : إنّه سيعود. فرصدته الثالثة. فأخذته فقال : دعني. أعلّمك كلمات يفنعك الله بها! قلت : ما هي؟ قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي. فإنّك لم يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان ، حتّى تصبح!
يقول أبو هريرة : فخلّيت سبيله ، فأصبحت فقال لي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت : زعم أنّه يعلّمني كلمات ينفعني الله بها ، فخلّيت سبيله!
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما هي؟ قلت : قال لي : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسيّ ولن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان ، حتّى تصبح ، وكانوا ـ أي الصحابة (٢) ـ أحرص شيء على الخير.
فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : أما إنّه قد صدقك ، وهو كذوب (٣).
ثمّ قال : تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ قال : لا. قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ذاك شيطان (٤).
[م / ١٥١] قال ابن حجر ـ في الشرح ـ : وفي حديث معاذ بن جبل زيادة : وخاتمة سورة البقرة «آمن الرسول إلى آخرها» وقال في أوّل الحديث : ضمّ إليّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تمر الصدقة ، فكنت أجد فيه كل يوم نقصانا ، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال لي : هو عمل الشيطان فارصده فرصدته ، فأقبل في صورة فيل ، فلمّا انتهى إلى الباب دخل من خلل الباب في غير صورته ، فدنا من التمر ، فجعل يلتقمه ، فشددت على ثيابه فتوسّطته ...
ثمّ غدوت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبرته بما قال ، فقال : صدق الخبيث وهو كذوب. قال معاذ :
__________________
(١) حثا يحثو التراب : صبّه. أي جعل يحثو من الطعام في وعاء كان معه.
(٢) هذا التفات. يعني : وكنّا نحن الصحابة. راجع : ابن حجر في الشرح ٤ : ٣٩٧.
(٣) قال ابن حجر : وهو من التتميم البليغ ، لأنّه لمّا أوهم مدحه بوصفه الصدق ، استدرك نفي الصدق عنه بصيغة المبالغة. والمعنى : صدقك في هذا القول ، مع أنّ عادته الكذب المستمر ، وهو كقولهم : قد يصدق الكذوب. (فتح الباري ٩ : ٥١).
(٤) البخاري ٣ : ٦٤ ، كتاب الوكالة ، باب ٩. و ٦ : ١٠٤ ، باب فضل سورة البقرة ، كتاب فضائل القرآن.