أبصرت به ، دخلتني من الهيبة لجعفر بن محمد الصادق ما لم يدخلني لأبي جعفر ، فسلّمت عليه وأومأ إلي فجلست ثم التفت إليه ، فقال : يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة ، فقال : نعم.
ثم التفت إلي المنصور ، فقال : يا أبا حنيفة الق على أبي عبد الله من مسائلك ، فجعلت القي عليه فيجيبني ، فيقول : أنتم تقولون كذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ، فربما تابعنا وربما تابعهم ، وربما خالفنا جميعاً حتى أتيت على الاربعين مسألة ثم قال أبو حنيفة : ألسنا روينا أن أعلم الناس ، أعلمهم بإختلاف الناس (١).
أما السيد ميرعلي في كتاب (تأريخ العرب) ، فيقول عن الصادق : ان الذي تزعّم الحركة العلمية في تلك الفترة التي كان فيها الصراع العقائدي على أشدّه ، هو حفيد الامام عليّ ، جعفر الصادق ، وهو رجل رحب افق التفكير ، بعيد أغوار العقل ، مُلمّ كل الإلمام بعلوم عصره ، ويعتبر في الواقع ، أول من أسّس المدارس الفلسفية المشهور في الاسلام ، ولم يكن يحضر حركته العلمية اولئك الذين أصبحوا مؤسسي المذاهب فحسب ، بل كان يحضرها طلّاب الفلسفة والمتفلسفون من جميع أنحاء العالم.
وسُئل ابن ابي ليلى : أكنت تاركاً قولاً أو قضاء لرأي أحد؟ أجاب : لا. إلا لرجل واحد ، هو جعفر بن محمد الصادق (٢).
ومرّة سمع الحسن بن زياد اللؤلؤي أبا حنيفة وقد سئل من أفقه الناس ممن رأيت ، فقال : جعفر بن محمد (٣).
__________________
(١) تهذيب الكمال ـ المزي ٥ : ٧٩ ـ ٨٠ ؛ سير اعلام النبلاء ـ الذهبي ٦ : ٢٥٨.
(٢) الامام جعفر الصادق : ١٦١.
(٣) الامام جعفر الصادق : ١٦٣.