كان الأولون يكرهون كتابة الحديث وتصنيف الكتب (١).
وكان السبب الرئيسي في تدوين الحديث في أواخر عهد التابعين ، انتشار العلماء في الأمصار وكثرة الابتداع ، حيث شاعت الرواية ، وقلّت الثقة ببعض الرواة ، وظهور الكذب في الحديث عن رسول الله لاسباب سياسية أو مذهبية ، حيث بدأ التدوين بمعناه الحقيقي بين سنة ١٢٠ وسنة ١٥٠ هـ (٢).
عموماً .. في هذا العصر (١٤٣ هـ) شرع علماء الاسلام في تدوين الحديث ، والفقه والتفسير .. وكثُر تبويب العلم وتدوينه ، وقبل هذا العصر كان سائر العلماء يتكلمون من حفظهم ، ويروون العلم عن صحف غير مرتبة (٣).
وكانت قد دوّنت الآثار ممزوجة بأقوال الصحابة ، وفتاوى التابعين وغيرهم ، إلى أن رأى بعض الأئمة أن تُفرد أحاديث النبي خاصة ، وذلك على رأس المائتين ، فقلّ إمام من الحفّاظ إلا وصنّف حديثه على المسانيد أو على الأبواب والمسانيد (٤).
وكان من أقوى الاسباب في إقبال العلماء على التصنيف في هذا العصر ، حثّ الخليفة أبي جعفر المنصور عليه وتشجيع الأئمة الفقهاء على جمع الحديث والفقه ، وقد بذل في هذا السبيل أموالاً طائلة ، وهو الذي أشار على مالك بن أنس أن يضع كتاب «الموطأ». وصنّف مالك الموطأ وتوخّى فيه القوي من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم (٥).
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) أضواء على السنة المحمدية : ٢٦١.
(٣) انظر : تأريخ الاسلام ـ الذهبي ٩ : ١٣.
(٤) انظر : مقدمة فتح الباري ـ ابن حجر : ٥.
(٥) الموطأ ـ الامام مالك ١ : ٤ : تنوير الحوالك ـ السيوطي : ٥.