كان متعلقاً بأستار الكعبة ، فتأكد للحسين بأن القوم لن يتركوه أبداً ، في وقت بعثت نخبة من أهل الكوفة رسائل تدعوه للمجيء إلى هناك ومبايعتها له ، ويبدو ان هؤلاء من ضعاف النفوس المتذبذبين في مبادئهم ومواقفهم ، فسرعان ما انقلبوا عليه وغدروا به ، بالتنسيق مع عامل معاوية في الكوفة ، وذلك في موقع يُدعى كربلاء ، إذ ارتكب الجيش المدعوم من قبل يزيد بن معاوية وأعوانه ، أعمالاً وحشية لم يرتكبها أعتى الطغاة في التأريخ ، فتم قتل الحسين سبط رسول الله وريحانته ، وتصفية أبنائه وأهل بيته والعديد من بني هاشم وأصحابهم باسلوب بشع يفتقد لأبسط قواعد الانسانية والموازين الدينية والالهية ، فقد تم منع الماء عن الحسين وكل الذين معه من آل بيته حتى النساء والاطفال ، ثم قُتل الحسين وأبناؤه حتى طفله الرضيع والتمثيل بجثثهم وقطع رؤوسهم ومرور وسحق الخيول على أجسادهم ، وحرق خيم النساء والأطفال وسبيهم ، وضرب ظهورهم بالسياط ، وكلها أفعال لا تقرّها الشرائع الالهية والتقاليد الانسانية.
وقد جرت تلك المجزرة المروّعة ، في ظل حكومة يتصدّرها خليفة يعدّ نفسه أميراً للمؤمنين ، ومع تلك الواقعة الشنعاء التي لم يشهد لها التأريخ مثيلاً وراح ضحيتها حفيد الرسول وأهل بيته ، يأتي من يضع حديثاً عن رسول الله يزعم بأن أفضل القرون هو قرنه ، هذا القرن الذي شهد تصفية لأهل بيته وأبنائه أشنع تصفية ، فعلى مَنْ تنطلي هذه الأحاديث الموضوعة؟ (١).
ولم يمض سوى عام على مجزرة كربلاء حتى احتل الجيش الأموي ـ بأمر من يزيد ـ مكة المكرمة ورمى الكعبة المشرفة بالمنجنيق ثم تلاها في العام الآخر ، احتلال المدينة المنورة ، والقيام بمجازر وحشية بحق أهلها في واقعة الحرّة ، وهتك أعراضهم وقتل
__________________
(١) طبقات الحنابلة ـ محمد بن ابي يعلى ٢ : ٢٧٢.