لأحد أن يُفتي في دين الله ، إلا ان يكون رجلاً عارفاً بكتاب الله ، بناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، وتأويله وتنزيله ، ومكّيه ومدنيّه ، وما أُريد به ، ويكون بعد ذلك بصيراً بحديث رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وبالناسخ والمنسوخ ، ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن (١).
غير ان الشافعي قد أدان نفسه بنفسه ، لأنه لم يكن على إطّلاع راسخ بالقرآن الكريم كما ينبغي ، ووضع قواعد اصوله وفقهه على أساسه ، فهو قد أخطأ في فهم معاني القرآن مراراً ، منها على سبيل المثال ، مصطلح العَول ، حيث اعترض العلماء على تفسير الامام الشافعي ، الآية الكريمة : ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا (٢) ، ففسّر الشافعي : «تعولوا» بمعنى «يكثر عيالكم» ، فقال ابن الوزّان : أخطأ الشافعي ، يُقال : عال (الرجل) يعيل إذا افتقر ، وأعال (معيل) إذا كثر عياله (٣).
هذا في شأن القرآن الكريم ، أما في شأن الحديث النبوي ، فالشافعي نفسه قال : إذا صحّ الحديث فاضربوا بقولي الحائط ، لأنه كان غير مطمئن لأقواله وآرائه بأنها تأتي على وفق الحديث الصحيح ، فلربما كان يشكّك في حديث ما ، وهو صحيح أنه لم يكن مطّلعاً عليه بصورة كافية ، واذا كانت الحال هذه ، فكيف سوّغ لنفسه ، الإفتاء في دين الله ، مع انه لم تكتمل لديه قواعد الاستنباط الكافية ، والشروط التي تؤهّله ليكون فقيهاً ومفتياً بحق.
__________________
(١) انظر : الرسالة ـ الامام الشافعي : ٢٢٠ ؛ الاحكام ـ الآمدي ٣ : ١٥١.
(٢) النساء ٣.
(٣) تأريخ الادب العربي ـ عمر فروخ ٤ : ٢٠٣.