وعليه ، فلو كانت الطريقة أو المدرسة الفقهية التي تبنّاها الامام الشافعي ، مُلائمة لأهل مصر فقط ، فلِمَ لم يقصرها صاحب المذهب ، على مصر دون غيرها من الأمصار التي انتقل إليها المذهب الشافعي؟
ثم لو كان المذهب المالكي أو ما يُسمّى بمدرسة أهل الحجاز والحديث ، تُلائم الحجازيين فقط ، ولذلك غيّر الامام الشافعي ، أسلوبه الأصولي والفقهي عندما رحل الى العراق ثم مصر ، فكيف انتشر المذهب المالكي في بقاع نائية ، تختلف تقاليدها وبيئاتها وأعرافها عن أهل الحجاز كلياً ، مثل المغرب والاندلس ، وأصبح المذهب المالكي هو الحاكم في تلك المناطق؟
والغريب ان المذهب الحنبلي الذي كان صاحبه يعيش في بغداد ، قد تبنّته الشام أولاً ، ثم أصبح حكراً على أهل الحجاز البيئة المتفاوتة مع العراق مثلاً؟
والحق ان تعدد المذاهب الفقهية ، انما أملاه اختلاف ثقة أصحاب المذاهب بالحديث النبوي ومزاجهم الخاص ، وليس للبيئة أي دور في هذا الصدد.
فمالك بن أنس ، كان يثق بأهل المدينة ، ويعدّ عملهم بمثابة سُنّة عملية ، ولذلك كان يتوسّع في قبول الحديث ال نبوي ، ويقلّل من شأن القواعد الأخرى كالقياس مثلاً.
أما أبو حنيفة النعمان ، فلم يثق إلا بالحديث المشهور الواضح المعنى ، ولم يلتفت الى الحديث ال حسن أو المُرسل كما هو عند مالك والشافعي. ولاريب ان السُنّة النبوية لو كانت مدوّنة منذ العهد النبوي أو بعده مباشرة ، لما حصل كل الذي حصل؟
٢ ـ لم يكن الامام الشافعي ، مُقتنعاً اقتناعاً تاماً بأقواله وآرائه ، فهو يقول بأنه إذا صحّ الحديث فاضربوا بقولي الحائط (١) ، يعني اذا كان قد رأى رأياً على أساس ان الحديث النبوي غير صحيح أو ضعيف ، وقد صحّ الحديث عن طريق الآخرين ، أو عند
__________________
(١) سير اعلام النبلاء ـ الذهبي ١٠ : ٣٥ ؛ الفتاوى الكبرى ـابن تيمية ٥ : ١٢٤.