الكتب في المذهب ، وبالتالي شاع الفقه الحنفي وتحوّل الى مذهب وكُرِّس في المجتمع وذاع صيته ، خاصة وان أبا يوسف تولّى القضاء على مذهب استاذه ، مما ثبّت أحكامه.
والمعروف ان أبا حنيفة كان يأبى التعامل مع السلطة العباسية أو تولّي القضاء لها ، ولذلك آثر المكوث في السجن على القضاء حتى مات وهو في سجن أبي جعفر المنصور ، فكيف يحق لأبي يوسف والعديد من تلاميذ أبي حنيفة ، أن يتمرّدوا على موقف استاذهم ، فيتولّوا القضاء للخليفة العباسي هارون الرشيد والخلفاء من بعده ، خاصة وان الخلفاء العباسيين المتوارثين للحكم ، كانوا ظَلَمة حسب اعتقاد الامام أبي حنيفة ، ولم يكن يسوّغ التعامل معهم ، ولسنا ندري لو طال به العمر ، ورأى تلاميذه يُسارعون في تولّي القضاء للحكام العباسيين ، فماذا كان ردّ فعله سوى نعتهم بالخيانة؟ ولولا تولّي هؤلاء للقضاء والوظائف الحساسة في البلاط العباسي ، لما شاع المذهب الحنفي الذي دوّنه أبو يوسف القاضي وأقرانه ولَما بلغ هذه الشهرة والانتشار.
إذ ان أبا يوسف أول من صنع أصول الفقه على مذهب استاذه ، وبثّ علمه في اقطار الأرض ، ولم يكن الامام ابو حنيفة سوى فقيه يقر بالخطأ والزلل والقصور ، وان رأيه مجرد رأي قابل للنقاش والرفض أو القبول ، ولم يكن يَدور في خلده ان تصبح فتاواه وأحكامه ، مذهباً مشهوراً يُطبق الآفاق من خلال تلاميذه وأتباعه الذين تبوأوا المقاعد القضائية والوظيفية للبلاط العباسي الذي كان يتهرّب منه الامام نفسه!! (١).
ونأتي الآن للخوض في حيثيات المذهب الحنفي نفسه ، لنعرف مدى صحة الادعاءات التي أطلقها أصحاب المذهب الحنفي والمدافعون عنه ، حول أعلمية الامام أبي حنيفة وفقاهته التي لم يبلغها أحد من معاصريه.
__________________
(١) المذاهب الفقهية : ٤٦ ـ ٥٣.