أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا (١).
وهنا يبدو الصحابة في موقف غريب منهم ، فهم بدلاً من استقبال الأمر برحابة صدر وإعلان استعدادهم لتقبل الأوامر الالهية ، يحتجون على انهم لا يطيقونها ، بحيث عاتبهم الرسول ووبخهم وحذّرهم من عصيان الله.
ان هذه النماذج التي أوردتها ليست إلا أمثلة قليلة على العلاقة المتبادلة بين رسول الله صلىاللهعليهوآله وصحابته ، وهي توضّح ـ بجلاء ـ الموقف السلبي للطرفين ، كل من الآخر ، بحيث لا يمكننا بأي حال ، أن نصف الصحابة كفئة ذات خصائص عالية جداً تتفوّق على غيرها من فئات المسلمين ، وتتميز بالطاعة العمياء للرسول ، وانها رهن إشارته لأنها الصفوة المختارة من الناس لتبليغ الدين عنه صلىاللهعليهوآله.
بعد كل هذه ا لحقائق الناصعة ، كيف يحق لنا أن نساوي بين الصحابة الأجلاء الذين كانوا مطيعين لأوامر القرآن والرسول صلىاللهعليهوآله ومُبجّلين لشخصيته المباركة ، بحيث لم يُعرف عنهم غير المسارعة في تنفيذ ما يملي عليهم رسول الله من أوامرٍ ونواهٍ ، والمشاركة الفاعلة في غزوات وحروب الاسلام ضد الكفر ، وعدم الفرار من الزحف والمقاومة حتى الاستشهاد في سبيل الله ، ولم يُعرف عنهم ارتكاب أي خطايا أو موبقات ، وبين صحابة ضعاف الايمان ، أو من المنافقين والمؤلفة قلوبهم ، الذين أسلموا بلسانهم دون قلوبهم ، والذين طالما طعنوا بالرسول ، وخالفوا أوامره ، وفرّوا من القتال ، وشكّكوا بمواقفه وسلوكه ، واقترفوا شتى الذنوب والكبائر ، وتناولوا الخمر وغيره ... كيف يصبح جميع الصحابة عدولاً يا ترى؟ ولديهم حصانة ضد الكذب على الرسول صلىاللهعليهوآله ، مع انه حذّرهم من الكذب عليه ، والذي يعصي الرسول ويشكّك فيه ،
__________________
(١) صحيح مسلم ١ : ٨٠ ؛ الدر المنثور ـ السيوطي ١ : ٣٧٤ ؛ مسند احمد ٢ : ٤١٢.