وقد عرفت عن أحمد روايتين ، احداهما بالقبول ، والأخرى بالرفض.
قال الأستاذ الذهبي : والذي تميل إليه النفس ، هو أنّ قول التابعي في التفسير لا يجب الأخذ به ، إلّا إذا كان ممّا لا مجال للرأي فيه ، فإنه يؤخذ به حينئذ عند عدم الريبة. فإن ارتبنا فيه ، بأن كان يأخذ من أهل الكتاب ، فلنا أن نترك قوله ولا نعتمد عليه. أمّا إذا أجمع التابعون على رأي فإنه يجب علينا أن نأخذ به ولا نتعدّاه إلى غيره (١).
قلت : إن كان أريد التعبّد بأقوال التابعين والتسليم لآرائهم ، فهذا لا وجه له ، ولا مبرّر لذلك ، فإنهم ـ كما قال أبو حنيفة ـ رجال ونحن رجال.
لكن مقصود البحث غير ذلك ، وإنما هو الاعتبار العقلاني ، بالنظر إلى أسبقيّتهم وأقربيّتهم إلى منابع الوحي ومهبط التنزيل ، وأمسّ بجوانب الشريعة ، وأقرب تناولا إلى أعتاب أعلام الصحابة والأئمّة الهداة ، كما نبّهنا ، فضلا عن أنهم أعرف بمواضع اللغة وأساليب العرب الفصحى ، ممّن نزل القرآن بلغتهم وعلى أساليب كلامهم المعروف.
فكانت آراؤهم ونظراتهم المستنبطة من أصول متينة ، المستقاة من مناهل صافية وضافية ، من خير الوسائل السليمة لفهم معاني القرآن الكريم ؛ فهي بالاستعانة بها والاستفادة منها أقرب منها إلى التعبّد والتقليد.
وقد عرفت أن جلّ التابعين من متخرّجي مدارس الصحابة الأوّلين كعبد الله ابن مسعود ، وابن عباس ، الذي كان هذا بدوره متخرّجا من مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام. فجملة علومهم وأصول معارفهم مستندة إلى منابع أصيلة منتهية
__________________
(١) التفسير والمفسّرون ، ج ١ ، ص ١٢٨ ـ ١٢٩.