من ذلك ما أرسله صاحب كتاب الاحتجاج : أن عليا عليهالسلام مرّ ـ بعد واقعة الجمل ـ بالحسن البصري وهو يتوضّأ. فقال : يا حسن أسبغ الوضوء ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون الشهادتين ويصلّون الخمس ويسبغون الوضوء! فقال له أمير المؤمنين : فما منعك أن تعين علينا عدوّنا؟ فقال : لقد خرجت ، وأنا لا أشكّ أن التخلّف عن أم المؤمنين عائشة هو الكفر ، فلما انتهيت إلى موضع من الخريبة (موضع وقع قتال الجمل فيه) ناداني مناد : ارجع يا حسن ، فإنّ القاتل والمقتول في النار. فقال علي : صدقك ذاك أخوك إبليس ، إن القاتل والمقتول منهم في النار (١).
وهكذا أرسل القطب الراوندي : أن عليا عليهالسلام قال له : أسبغ طهورك يا لفتي (٢) ، فقال : لقد قتلت بالأمس رجالا كانوا يسبغون الوضوء! قال عليهالسلام : وإنك لحزين عليهم؟ قال : نعم. فقال : فأطال الله حزنك. قالوا : فما رأينا الحسن قطّ إلّا حزينا ، كأنّه يرجع عن دفن حميم ، أو خرّ بندج ضلّ حماره. فقيل له في ذلك ، فقال : عمل فيّ دعوة الرجل الصالح! (٣).
وذكر ابن أبي الحديد فيمن كان يبغض عليّا عليهالسلام الحسن البصري ، قال : روى عنه حماد أنه قال : لو كان عليّ يأكل الحشف (٤) بالمدينة لكان خيرا له مما دخل فيه. ورووا عنه أنه كان من المخذّلين عن نصرته. وروي عنه أن عليّا عليهالسلام رآه وهو يتوضّأ ـ وكان ذا وسوسة ـ فصبّ على أعضائه ماء كثيرا ، فقال له : أرقت ماء كثيرا
__________________
(١) كتاب الاحتجاج المنسوب إلى الطبرسي (؟) (ط نجف) ، ج ١ ، ص ٢٥٠.
(٢) على وزان «قبطي» قيل : معناه الشيطان بالنبطية.
(٣) الخرائج والجرائح ، ج ٢ ، ص ٥٤٧ رقم ٨ ، والبحار ، ج ٤١ ، ص ٣٠٢ رقم ٣٣ ، وج ٤٢ ، ص ١٤٣ رقم ٥.
(٤) الحشف : أردأ التمر ، أو اليابس الفاسد من التمر.