فهو عند كلامه
الآنف إنما يلقي الضوء على تفاسيره بالذات ، وأنها من النمط النقلي في أكثره ، وإن
كان لا يصرّح به في الموارد ، بعد إعطاء تلك الكلية العامّة.
رابعا ـ اضطلاعه بالأدب الرفيع
لا شكّ أن
القرآن نزل بالفصحى من لغة العرب ، سواء في موادّ كلماته أم في هيئات الكلم
وحركاتها البنائية والإعرابيّة ، اختار الأفصح الأفشى في اللغة دون الشاذّ النادر.
وحتى من لغات القبائل اختار المعروف المألوف بينهم دون الغريب المنفور. فما أشكل
من فهم معاني كلماته ، لا بدّ لحلّها من مراجعة الفصيح من كلام العرب المعاصر
لنزول القرآن ؛ حيث نزل بلغتهم وعلى أساليب كلامهم المألوف.
وهكذا نجد ابن
عباس يرجع ، عند مبهمات القرآن وما أشكل من لفظه ، إلى فصيح الشعر الجاهلي ،
والبديع من كلامهم الرفيع. وكان استشهاده بالشعر إنما جاءه من قبل ثقافته الأدبيّة
واضطلاعه باللغة وفصيح الكلام. وفي تاريخ الأدب العربي آنذاك شواهد رائعة تشيد
بنبوغه ومكانته السامية في العلم والأدب. وساعده على ذلك ذكاء مفرط وحافظة قويّة
لاقطة ، كان لا يسمع شيئا إلّا وكان يحفظه بكامله لوقته.
يروي أبو الفرج
الأصبهاني بإسناده إلى عمر الركاء ، قال : بينا ابن عباس في المسجد الحرام وعنده
نافع بن الأزرق (رأس الأزارقة من الخوارج) وناس من الخوارج يسألونه ؛ إذ أقبل عمر
بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين مورّدين أو ممصّرين حتى دخل وجلس. فأقبل عليه ابن عباس فقال : أنشدنا ،
فأنشده :
__________________