ثمّ إنّ الإمام الراحل ـ أعلى الله مقامه الشريف ـ قرّر الاشكال بوجه أدقّ ، قال (قدسسره) :
«إنّ العبادة متقوّمة بقصد التقرب ، وفي الشبهات البدئية إمّا أن يقصد ذات الشيء بلا قصد التقرب ، أو ذات الشيء مع قصد التقرب ، أو ذات الشيء مع احتمال التقرب والأوّل خلف ، والثاني ممتنع لأنّ القصد الحقيقي لا يتعلق بالأمر المجهول المشكوك فيه ، والثالث غير مفيد لأنّ الإتيان باحتمال التقرب غير الإتيان بقصده والذي يعتبر فيها قصده لا احتماله» (١).
هذا هو الإشكال ، وقد أجاب القوم عنه بوجوه :
الأوّل : ما حاصله : أنّ الأمر معلول للحسن ولا إشكال في حسن الاحتياط فيستكشف بطريق اللمّ وجود أمر في البين متعلق بالاحتياط في العبادة ويقصد هذا الأمر المجزوم به في مقام الاحتياط.
وفي هذا الجواب مواقع للنظر ، أوّلاً أنّ كون الحسن علة تامة للأمر غير معلوم لنا ، فلا مجال حينئذ للاستكشاف لمّا.
وثانياً : أنّ اللازم وجوده في المقام هو الأمر المولوي والحسن ليس علة تامة للأمر المولوي بل لو سلمنا ذلك فانّما هو بالنسبة إلى جامع الأمر ، ولذا قد يتحقّق الحسن ولا أمر مولوياً كما في الضد المهم إذا تزاحم مع الأهم ، وكذا فيما يحكم العقل بحسنه واستحقاق الثواب عليه كما في معرفة الله والإطاعة ، وعنوان الاحتياط من هذا القبيل.
وثالثاً : أنّه لو سلّمنا ذلك أيضاً إلّا أنّ المكشوف أمر مولوي توصّلي متعلق بعنوان الاحتياط ، الذي يقطع بعدم دخالة قصد أمره في حصول غرضه وهذا هو شأن الأمر التوصّلي.
__________________
(١) تهذيب الأُصول : ٢ / ٢٩٠.